مازالت توابع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو إلى أمريكا مستمرة خاصة فى ضوء الانقسامات الشديدة تجاه النظرة إلى حصادها سواء ما بين من يعتقد فى نجاحها أو من يشير إلى حجم المعارضة لها سواء فى الشارع أو حتى على المستوى الرسمى ولكن الاعتقاد الجازم لدى الجميع بأن نتنياهو يعمل ويستثمر فى نتنياهو فهو يسعى للبقاء، يتمسك بوجوده على رأس الحكومة. يسوق لشخصه على أنه من يستطيع التعاطى مع أمريكا والحصول على دعمها ومعارضتها إذا لزم الأمر، يرفض إنهاء العدوان رغم رغبة الإدارة الأمريكية، يسعى الى مزيد من الدعم العسكرى يلعب على التناقضات السياسية فى واشنطن التى تعيش أجواء عام انتخابى مفتوح على كافة الاحتمالات وهذا محاولة لرصد حصاد ما حدث. باستثناء مهارات لغوية وبلاغية، توصى باقتصار عمل صاحبها فى مكتب علاقات عامة، لم يتجاوز خطاب بنيامين نتانياهو أمام الكونجرس هذا المضمون؛ فرئيس الوزراء الذى عطَّل التفاوض على صفقة تبادل الأسرى مع حماس، للحيلولة دون انشغال وسائل الإعلام بغير خطابه، أصاب الجمهوريين قبل الديمقراطيين. ولا يعد غريبًا انقسام ردود الفعل الإسرائيلية بين «معسكرى الدياكة» (الائتلاف والمعارضة) حول كلمة نتانياهو؛ فبينما مدح الأول الكلمة وصاحبها، قدح الآخر الاثنين معًا؛ ونعقت فور انتهاء الخطاب تغريدات المسؤولين الإسرائيليين؛ وفيما اعتبر الرئيس إسحاق هيرتسوج الخطاب «مهمًا»، قال وزير المالية المتطرف بيتسلئيل سيموتريتش إنه «انطوى على كلمات حادة وواضحة»، فيما عزاه وزير الخارجية يسرائيل كاتس إلى «تمثيل كل إسرائيلي»، لكن زعيم المعارضة يائير لابيد، أوضح أن «نتانياهو قال ولم يقل، ولم تطرأ على لسانه ولو لمرة واحدة كلمة «صفقة»، لإطلاق سراح رهائن إسرائيل لدى حماس». إذا كان هذا التناحر متوقعًا، فالتحرر من تابوهاته يعطى مساحة واسعة عند تحليل خطاب ال52 دقيقة، وردود فعل الداخل الإسرائيلى على مضمونه، التى يمكن قراءتها بوضوح فى تعليق مراسل «يديعوت أحرونوت» لدى واشنطن نيدف إيل، الذى اعتبر خطاب نتانياهو قاصرًا، ولم يعبر عن نبض الإسرائيليين، لاسيما وأنه «لم يتلفظ بكلمة صفقة، لإطلاق سراح رهائن إسرائيل، ولم يتطرق إلى مصير الشمال الإسرائيلى المهجور، ولا حتى إلى المسيَّرة الحوثية، التى انفجرت فى تل أبيب، ولم يعلق كذلك على اعتقال أهالى المختطفين بعنف حال تظاهرهم يوميًا فى الشوارع والميادين الإسرائيلية».. وترى الكاتبة الإسرائيلية آنا بريسكى أن خطاب نتانياهو بدد أمل حلفاء نتانياهو فى «الليكود»، إذ كان هؤلاء يعولون عليه مثل المعارضة فى إمكانية الخروج من الأزمة الائتلافية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تستمر حتى خريف 2026، ويمكنها فى حينه خلاصًا من تهديدات وزير الأمن القومى إيتمار بن جافير، ووزير المالية بيتسلئيل سيموتريتش؛ لكن هذا التعويل كان مرهونًا، حسب الكاتبة آنا بريسكي، بإنهاء الحرب فى قطاع غزة، وإبرام صفقة تبادل الأسرى مع حماس، والانفتاح على تحول أكبر، ربما يعيد طرح حل الدولتين على الطاولة. فى الحقيقة، كما تقول الكاتبة الإسرائيلية فى مقالها بصحيفة «معاريف»: «لم يحمل الخطاب أى جديد لإسرائيل، ولا حتى للعالم، بمن فى ذلك الجمهوريون فى الولاياتالمتحدة، وأعاد كل هؤلاء إلى المربع رقم واحد». الكاتب الإسرائيلى المخضرم بن كسبيت، اختزل كلمة نتانياهو أمام الهيئة التشريعية الأمريكية فى رغبة صاحبها بقاء الهيئة التشريعية الإسرائيلية (الكنيست) على قيد الحياة حتى نهاية دورتها الصيفية. اقرأ أيضا| إعلام إسرائيلي: بيني جانتس يضع شروطًا لبقاء «نتنياهو» في الحكومة ووصف بن كسبيت نتانياهو بأنه «أفضل خطيب فى العالم، لكنه أسوأ زعيم إسرائيلى على الإطلاق، ولو كان العالم منطقيًا لعين نتانياهو رئيسا لمكتب علاقات عامة إسرائيلى طيلة حياته براتب فلكي، وحرية تنقل حول العالم».. وفى محاولة لتجاوز الطرق التقليدية فى تحليل مضمون خطاب نتانياهو، ذهبت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى التعاطى مع الخطاب من خلال «الكلمات والدلالات»، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الذى لم يتوقف عن الكلام لمدة 52 دقيقة، لم يذكر كلمة «صفقة» مرة واحدة؛ فى المقابل وحرصًا على دغدغة مشاعر الإسرائيليين ويهود الولاياتالمتحدة وربما العالم، ذكر اسم إسرائيل 85 مرة؛ ولاستقطاب «تحيز» الولاياتالمتحدة، سواء الإدارة الحالية أو المقبلة، وإضفاء مكانة كبيرة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ذكر اسم أمريكا 54 مرة.. كلمة «التحالف» وردت على لسان نتانياهو خلال الخطاب 8 مرات؛ وفيما يتعلق بالتحالف الإقليمى فى الشرق الأوسط، فأعرب فى الغالب عن أمله فى إقامته فى مواجهة التهديد الإيراني، مستخدمًا كلمة «يهودي» 16 مرة، وكلمة «أمة أو شعب» 23 مرة. وفيما ذكر «إيران» 17 مرة، لفظ مفردة «حماس» 18 مرة. وعن «الحرب» التى تحدث عنها كثيرًا، فذكرها 17 مرة، بينما ذكر «غزة» 24 مرة. وفيما كان متوقعًا استفاضته فى الحديث عن الجبهة الشمالية، والحرب المحتملة مع «حزب الله»، خالف نتانياهو التوقعات، ولم يذكر كلمة «الشمال» سوى مرة واحدة فقط، و«حزب الله» 3 مرات، وهو ما أثار إحباطًا وسخطًا لدى الشارع الإسرائيلي.