قبل التوجه إلى واشنطن لإلقاء كلمة أمام الكونجرس فى الرابع والعشرين من يوليو الجاري، حوصر رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وحاصر إسرائيل بمخاوف زيادة حدة توتر العلاقات مع إدارة جو بايدن، التى وصلت حد إلغاء الحوار الاستراتيجى بين الجانبين، وتجميد صفقات عسكرية كان مقررًا وصولها إسرائيل قبل وبعد زيارة وزير الدفاع يوآف جالنت الأخيرة إلى «البنتاجون». وبينما اقتصرت تحسبات نتانياهو على تفادى هبوط طائرته فى أوروبا قبل الولاياتالمتحدة خوفًا من اعتقاله على خلفية أوامر المحكمة الدولية، انقلبت دوائر إسرائيلية على الزيارة وصاحبها، ولم تستبعد اتجاه العلاقات مع واشنطن إلى مزيدٍ من التردي، لاسيما عند استدعاء تبعات «رعونة» خطاب نتانياهو فى يناير 2015 أمام مجلسى الكونجرس (النواب والشيوخ)، التى أثرت حينها على متانة علاقات تل أبيب الخاصة جدًا بالرئيس الأسبق باراك أوباما؛ واعتبرها مراقبون إسرائيليون «جريمة سياسية تدفع إسرائيل ثمنها حتى الآن». بينما ارتأى فريق آخر أن واشنطن تعاملت حينئذ مع الخطاب على أنه «ندبة» فى تاريخ السياسة الأمريكية، خاصة مع إهانة وإذلال مفرداته للرئيس أوباما، وتعمد نتانياهو الهجوم العنيف على البيت الأبيض وقاطنه بداعى رفض مباركة الاتفاق النووى مع إيران، الذى كان فى مراحل صياغته النهائية، حسب الكاتب، والجنرال الإسرائيلى المتقاعد شلومو شامير. اقرأ أيضًا| مساعد نتنياهو: خطة بايدن بشأن غزة ليست جيدة لكن إسرائيل تقبلها ولا تؤمن تل أبيب باختلاف اليوم عن البارحة، فنتانياهو الذى تتحكم فيه حاليًا حسابات ائتلافية، بات «أكثر تطرفًا ورعونة من الماضي»، ومن غير المستبعد إهانته وازدراءه للرئيس جو بايدن، رغم ما يُعرف عن الأخير من «حب ودعم، وتأييد، لإسرائيل، حسب تعبير صحيفة «معاريف». ومن هذا المنطلق، تلقفت واشنطن رسائلًا إسرائيلية مبكرة، تدعو بايدن وحاشيته إلى إعادة النظر فى التعامل مع حكومة تل أبيب، والفصل التام بين دعم الحكومة ورئيسها من جهة، ودعم «الدولة العبرية» من جهة أخرى. وتؤكد هذا المنظور رسالة الدبلوماسى الإسرائيلي، المستشار السياسى وخبير العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية دوف تامير، الذى أعاد تعريف البيت الأبيض بحكومة نتانياهو، وأشار فى مقال نشرته صحيفة «معاريف» إلى أن «نتانياهو يرأس اليوم الحكومة الأكثر تطرفًا على الإطلاق، حكومة يبذل وزير ماليتها بيتسلئيل سموتريتش كل ما بوسعه لتفكيك السلطة الفلسطينية، وإفلاسها الاقتصادى والاجتماعى والسياسي. حكومة يقودها «ديكتاتور»، لا يكترث بغير البقاء على سدة الحكم. استوعب الإسرائيليون هذا الواقع جيدًا، ويظهر ذلك فى انخفاض دعم وتأييد الحكومة، وفى المظاهرات، واستسلام البعض لفكرة الهجرة من إسرائيل. لقد حان وقت إدراك بايدن وزعماء العالم تلك الحقيقة والتصرف بموجبها، فدعم إسرائيل يعنى دعم الإسرائيليين وليس حكومة نتانياهو». اقرأ أيضًا| مساعد نتنياهو: خطة بايدن بشأن غزة ليست جيدة لكن إسرائيل تقبلها وتحت عنوان «نتانياهو لا يمثلنا»، تعكس تقديرات الموقف سخط المشهد الإسرائيلي، وتخلِّى رؤوس الشخصيات العامة عن الصمت؛ ويؤكد ذلك تحالف رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، ورئيس الموساد الأسبق تامير بردو وآخرين، لتوجيه رسالة مباشرة إلى البيت الأبيض على متن صحيفة «نيويورك تايمز»، وجاء فى مضمونها: «لاشك أن نتانياهو ينسق ويخطط للخطاب بعناية، لإحكام قبضته المهتزة على السلطة، والتمكن من التباهى أمام ناخبيه بدعم الولاياتالمتحدة المزعوم لسياساته الفاشلة. ظهور نتنياهو فى واشنطن لن يمثل دولة إسرائيل ومواطنيها، ويصبح مكافأة لسلوكه الفاضح والمدمر». وتعليقًا على دعوته لإلقاء كلمة فى الكونجرس، قال البيان: «حتى الآن، لم يتمكن نتانياهو من صياغة خطة لإنهاء الحرب فى غزة، ولم ينجح فى إطلاق سراح عشرات الرهائن. على أقل تقدير، كان ينبغى أن تكون دعوة خطابه أمام الكونجرس مرهونة بحل هاتين القضيتين، فضلًا عن حتمية الدعوة إلى انتخابات جديدة فى إسرائيل». ويؤكد اعتزام نتانياهو البائس التفافًا على إخفاقات حكومته خلال الكلمة المرتقبة أمام الكونجرس، عرضه على والدة المجندة الإسرائيلية المخطوفة فى قطاع غزة نعمه ليفى مرافقته فى الزيارة الوشيكة، لكن الأخيرة رفضت، وعلقت على طلبه: «ليس هذا هو الوقت المناسب للرحلات الاستعراضية، هذا هو الوقت المناسب فقط لإبرام صفقة مع حماس». وتعبيرًا عن تفاقم الأزمة مع نتانياهو قبل التوجه إلى واشنطن، طالب ما يربو على 500 أكاديمي، وكاتب، ومثقف إسرائيلى رئيس الكونجرس بإلغاء دعوة نتانياهو لإلقاء كلمة أمام الكونجرس؛ واعتبر الموقعون على الطلب إقدام الكونجرس على تلك الخطوة «إجراء سياسى ودبلوماسى خطير، لا يعرِّض إسرائيل وحدها للخطر، وإنما معسكر العالم الغربى الحر برمته، لاسيما فى ظل دعوة زعيم تخلى عن شعبه، ورفض قبول المسؤولية عن أكبر كارثة حلت بالشعب اليهودى منذ المحرقة النازية».