مازالت توابع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو إلى أمريكا مستمرة خاصة فى ضوء الانقسامات الشديدة تجاه النظرة إلى حصادها سواء ما بين من يعتقد فى نجاحها أو من يشير إلى حجم المعارضة لها سواء فى الشارع أو حتى على المستوى الرسمى ولكن الاعتقاد الجازم لدى الجميع بأن نتنياهو يعمل ويستثمر فى نتنياهو فهو يسعى للبقاء، يتمسك بوجوده على رأس الحكومة، يسوق لشخصه على أنه من يستطيع التعاطى مع أمريكا والحصول على دعمها ومعارضتها إذا لزم الأمر، يرفض إنهاء العدوان رغم رغبة الإدارة الأمريكية، يسعى الى مزيد من الدعم العسكرى يلعب على التناقضات السياسية فى واشنطن التى تعيش أجواء عام انتخابى مفتوح على كافة الاحتمالات وهذا محاولة لرصد حصاد ما حدث. فى ظل سعى رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لتعزيز علاقات إسرائيل مع أقرب حلفائها، بعد أشهر من التوتر بشأن طريقة إدارته لملف الحرب فى غزة وعرقلته لجهود التهدئة إضافة على رفضه إقامة حل الدولتين، وبينما يواجه ضغوطا متزايدة للتوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار التى ستنهى القتال فى قطاع غزة، وصل نتنياهو إلى واشنطن يوم الاثنين فى زيارة استغرقت خمسة أيام، شملت اجتماعات مع الرئيس بايدن وإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة للكونجرس ولقاء مع المرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس، ومع المرشح الجمهورى دونالد ترامب. أثار وصول نتنياهو موجة من الاحتجاجات فى واشنطن، بما فى ذلك اعتصام فى مبنى مكتب الكونجرس انتهى باعتقالات متعددة، وأدانت بعض المظاهرات إسرائيل، وآخرون أعربوا عن دعمهم أثناء الضغط على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإعادة الرهائن. وطالبوا بايدن بالوقف الفورى لجميع شحنات الأسلحة لإسرائيل.. كما قام متظاهرون، تابعون لمنظمة الصوت اليهودى من أجل السلام، بارتداء قمصان حمراء مكتوب عليها «ليس باسمنا»، بالاستيلاء على القاعة المستديرة للمبنى، وجلسوا على الأرض، ورفعوا اللافتات وهتفوا «فلتعيش غزة». أظهرت زيارة نتنياهو الانقسامات العميقة بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل بشكل كامل بالإضافة إلى الانقسام بين الديمقراطيين. حيث قاطع بعض الديمقراطيين خطاب نتنياهو أمام الكونجرس مما سلط الضوء على الغضب العميق داخل قاعدة الحزب بشأن سلوكه فى الحرب، مع إظهار البعض عداء صريحا لحكومة نتنياهو وهوما يكشف الخلافات فى الكونجرس وخاصة بين الديمقراطيين بشأن الحرب فى وقت يسعى فيه الحزب للوحدة حول نائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة رئاسية.. اقرأ أيضا| واشنطن بوست: استقالة جانتس وآيزنكوت تقلب حكومة نتنياهو رأسا على عقب هاريس هى واحدة فقط من أبرز الديمقراطيين الثمانين الذين غابوا عن خطاب نتنياهو، فيما اعتبرته رئيسة مجلس النواب الأمريكى السابقة نانسى بيلوسى «أسوأ عرض قدمته شخصية أجنبية أمام الكونجرس». وقالت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكازيو كورتيز عن ولاية نيويورك : إنها لن تحضر الخطاب لأنها ترى أن نتنياهو «مجرم حرب» بسبب تكتيكاته فى الصراع الذى أودى بحياة عشرات الآلاف فى غزة وتسببه فى كارثة إنسانية. كما تغيبت رشيدة طليب النائبة الديمقراطية الفلسطينية قائلة فى بيان لها «من المخزى تماما أن يدعوه زعماء من الحزبين لإلقاء كلمة فيجب القبض عليه وتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية وإنه يوم حزين لديمقراطيتنا عندما يبتسم زملائى لالتقاط صورة تذكارية مع رجل يرتكب جريمة إبادة جماعية».. والواقع أن خطاب نتنياهو فى الكونجرس منذ الإعلان عنه كان إشكاليا وباعثا لردود فعل رافضة أو متحفظة فى أوساط حقوقية وسياسية بأمريكا وخارجها، لما يرمز إليه من مفارقات أخلاقية، لأنه من مسئول سياسى يلاحقه القضاء الدولى وتطارده الاتهامات بالمسئولية عن أفظع مجازر العصر الحديث.. فالخطاب جاء فى لحظة فارقة فى ظل ما سبقه من تطورات متعلقة بمحاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب، وانسحاب الرئيس الحالى جو بايدن من السباق الرئاسي، وتقديم نائبته كامالا هاريس مرشحة للحزب الديمقراطي.. وكان الخطاب لاستدرار الخزائن الأمريكية، و الحصول على المزيد من الأسلحة الأمريكية الأكثر قتلا وفتكا. لم يكن السلام فى أى وقت ضمن القضايا التى عرضها نتنياهو أمام الكونجرس، كما كانت صفقة تبادل الأسرى الغائب الأهم فى الخطاب. تجاهل نتنياهو أهم ما يمكن أن تراهن عليه واشنطن فى تبييض جزء من صورتها لعرقلة الوصول إلى أى اتفاق، وهو ما يعنى أن كل ما قام به من تطمينات، واصطحابه لعدد من أسر الأسرى فى رحلته إلى واشنطن لم يكن أكثر من تمثيلية هزلية. ويراهن نتنياهو على الحرب باعتباره السياق الوحيد الذى يمكن أن يحميه، وكل إطالة فى أمدها هو طوق نجاة للمسئول الإسرائيلى الأكثر إثارة لغضب الحقوقيين فى أنحاء العالم.. راهن نتنياهو على الزمن، حتى يستمر العدوان إلى حين نجاح داعمه الأساسى والأهم دونالد ترامب، رغم الصعوبات المتعددة التى باتت تعترض هذا الفوز المرتقب.