سميحة شتا منذ السابع من أكتوبر تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدا عسكريا مستمرا، من فلسطين إلى اليمن، إلى جنوبلبنان، ما ينذر بنشوب حرب إقليمية، فقد قامت جماعة الحوثى المدعومة من إيران بهجوم بمسيرة على تل أبيب الجمعة قبل الماضي، ردت عليه قوات الاحتلال بغارات على الحديدة، مستهدفة منشآت مدنية خاصة خزانات النفط فى ميناء المدينة الواقعة على البحر الأحمر، تلتها ليل السبت غارة على عدلون بجنوبلبنان، فى تطور يمثل منعطفا مهما فى مسار الاضطرابات التى تعرفها المنطقة. فقد بلغت تداعيات العدوان على غزة أخطر مراحلها مع انتقال مسار المعارك والمواجهات المفتوحة فى المنطقة بين إسرائيل وجبهة المقاومة بقيادة إيران من مرحلة إلى أخرى، ما ينذر ببداية الحرب الإقليمية التى ستكون ذات تداعيات كارثية على الجميع.. وكانت جماعة أنصارالله فى اليمن وحزب الله اللبنانى قد فتحوا جبهات مع إسرائيل، «دعما» للفلسطينيين فى قطاع غزة المحاصر الذى يتعرض لقصف عنيف منذ الحرب الاسرئيلية على غزة، ومن المتوقع أن لا تمر الضربة الإسرائيلية بدون رد حوثى او من حزب الله اللبناني، ما يؤشر إلى احتمالات تصعيد إضافي. وفى ظل التصعيد الاسرائيلى المستمر على غزةوجنوبلبنان، تتوسع فى المقابل دائرة استهدافات حزب الله لتطال لأول مرة مستعمرة دفنا شرق مدينة عكا بعشرات صواريخ الكاتيوشا. كما أعلنت حماس أنها استهدفت الجليل الأعلى بالصواريخ من جنوبلبنان. يمثل الهجوم الذى شنه سلاح الجو الإسرائيلى على ميناء الحديدة اليمنى فى جانب منه تعبيرا آخر عن الخطر، الذى يتزايد كل يوم، من حملة متعددة الجبهات ضد إسرائيل بسبب حربها العدوانية على قطاع غزة.. ويرى الخبراء أن القيادة العليا للجيش الإسرائيلى تدرك ذلك وترغب فى أن يقطع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما وصفها ب»العقدة الغوردية» -(وهو مصطلح يستخدم عادة للدلالة على مشكلة صعبة الحل يتم حلها بشكل جريء)- بين الجبهات العديدة فى غزةولبنان والضفة الغربية والجولان والعراق واليمن، فى حين أن إيران توجد وراء الكواليس، تساعد وتحث وتنسق. ومنذ نوفمبر، يشن الحوثيون المدعومون من إيران هجمات بالصواريخ والمسيرات على سفن تجارية فى البحر الأحمر وبحر العرب يعتبرون أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتى دعما للفلسطينيين فى قطاع غزة.. ومن المحتمل أن تزيد إيران من دعمها للحوثيين كرد على الضربات الإسرائيلية، مما قد يؤدى إلى تصعيد أكبر فى المواجهة بين إيران وإسرائيل، وقد تتأثر التجارة الدولية والنقل البحرى فى البحر الأحمر وبحر العرب نتيجة للهجمات المتزايدة على السفن التجارية، مما قد يؤدى إلى تداعيات اقتصادية على المستوى العالمي. لكن من الواضح أن جيش الاحتلال الإسرائيلى اتخذ قرارا بعدم التصعيد، والدليل هنا هو عدم استهداف إسرائيل لقيادات الصف الأول السياسية والعسكرية فى جماعة أنصار الله كما يقع فى الجبهة الشمالية مع لبنان، أو استهداف مواقع عسكرية تابعة للحوثى كالمستودعات الاستراتيجية للصواريخ فى إب وذمار وصنعاء وعمران وصعدة والمعسكرات الموجودة فى مدينة رداع عاصمة البيضاء حيث تتواجد مستودعات تكتيكية واستراتيجية للصواريخ البالستية والبحرية أو مراكز الإطلاق التكتيكية فى كل من مرتفعات مكيراس بمحافظة البيضاء ومدينة الحزم عاصمة منطقة الجوف. بل كان من الممكن استهداف مراكز الإطلاق حول مدينة الحديدة كالصليف ورأس عيسى واللحية وجزيرة كمران حيث تنطلق منها صواريخ ومسيّرات تستهدف ميناء إيلات جنوب إسرائيل. تؤكد كل المؤشرات حقيقة واحدة وهى أن ميليشيا الحوثى مكلّفة بمهمة التطويق الاستراتيجى لإسرائيل وخنقها اقتصاديا من خلال التضييق على حركة الأسطول التجارى الإسرائيلى وعرقلة المبادلات التجارية لإسرائيل مع العالم عن طريق ميناء إيلات بإقامة حظر بحرى فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب على السفن الإسرائيلية أو المشتبه تعاملها مع شركات إسرائيلية. اقرأ أيضا| الاحتلال الإسرائيلي يواصل استهدف جنوبلبنان حيث أن ميناء إيلات تكبد فى الشهور الأخيرة خسائر مادية فادحة مما يجعل من المواجهة الإسرائيلية الحوثية فى البحر الأحمر مسألة حتمية رغم الجهود الأمريكية والإقليمية لوقف الانزلاق الخطير فى الموقف العسكرى والسياسى فى الشرق الأوسط. منذ الأيام الأولى للحرب على غزة ودخول الحوثيين على خطّ جبهة الإسناد، كان هناك ضغط أمريكى على إسرائيل لعدم التركيز على اليمن وعدم الردّ على الضربات الحوثية، بل تكفّل بها الأمريكيون والبريطانيون، ولكن بعد عملية استهداف تل أبيب ومقتل إسرائيلى بمسيّرة أطلقها الحوثيون، أصبحت إسرائيل ملزمة بالردّ. ويتفق المحللون على ان المخرج الوحيد لتجنب هذا التصعيد هو وقف إطلاق النار الفورى فى غزة، وفى حال لم يتم وقفه بشكل فورى ونهائي، فإن الحرب ستكون حتمية، ولا يخفى أن هناك صعوبات تواجهها أمريكا فى فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل، ما يترك الأمور مرشحة للتصعيد، فالسيناريوهات المحتملة تشمل استمرار التصعيد، أو التوصل إلى تهدئة مؤقتة بوساطة دولية، أو حتى تسوية دبلوماسية تهدف إلى حل النزاعات بين الطرفين، لكن كل ذلك لن يمكن أن يحدث دون توقف الحرب فى قطاع غزة، أو التوصل إلى هدنة بين الطرفين.