يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 228 من سورة البقرة حول قوله تعالى: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فى أَرْحَامِهِنَّ» لقوله: يدل على أن المرأة لها شهادتها لنفسها فى الأمر الذى يخصها ولا يطلع عليه سواها. وهى التى تقرر المسألة بنفسها، فتقول: أنا حامل أو لا، وعليها ألا تكتم ذلك، فقد يجوز أن تكون حاملا وبعد ذلك تكتم ما فى بطنها حتى لا تنتظر طول مدة الحمل وتتزوج رجلاً آخر فينسب الولد لغير أبيه، فغالبًا ما يستمر الحمل تسعة أشهر ولكن فيه استثناء، فهناك حمل مدته سبعة شهور، وأحيانا ستة شهور. وقد تتزوج المرأة المطلقة بعد ثلاثة شهور وتدعى أنها حامل من الزوج الجديد وأن حملها لم يستمر سوى سبعة أشهر أو ستة أشهر. وبعضنا يعرف قصة الحامل فى ستة شهور، فقد جاءوا بامرأة لسيدنا عثمان رضى الله عنه لأنها ولدت لستة أشهر، فأراد أن يقيم عليها حد الزنى، فتدخل الإمام على ابن أبى طالب وقال: كيف تقيم عليها الحد لأنها ولدت لستة أشهر، ألم تقرأ قول الحق سبحانه وتعالى؟ قال عثمان: وماذا قال الحق فى ذلك؟ فقرأ الإمام على قول الله: «والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ» اقرأ أيضًا | فتاوى: الصلاة بالفانلة الحمالات «جائز» بشرط ستر العورة أى أنها ترضع الوليد لمدة أربعة وعشرين شهرًا، وفى آية أخرى قال الحق: «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا» «الأحقاف: 15». فإذا أخذنا من الآية الأولى أربعة وعشرين شهرًا وهى مدة الرضاع وطرحناها من الثلاثين شهرًا التى تجمع بين الحمل والرضاع فى الآية الثانية فهمنا أن الحمل قد يكون ستة أشهر. هنا قال سيدنا عثمان متعجبا: والله ما فطنت لهذا. إذن فحمل الستة الشهور أمر ممكن، ومن هنا نفهم الحكمة فى قوله تعالى: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فى أَرْحَامِهِنَّ»، حتى لا تدعى المرأة أنها ليست حاملا وتتزوج رجلا آخر وتنسب إليه ولدًا ليس من صلبه ويترتب على ذلك أكثر من إشكال، منها ألا يرث الولد من الأب الأول، وأن محارمه لم تعد محرمة عليه، فأخته من أبيه لم تعد أخته، وكذلك عماته وخالاته وتنقلب الموازين، هذا من جانب الأب الأصلي. أما من جانب الزوج الثانى فالطفل يكتسب حقوقا غير مشروعة له، سيرث منه، وتصبح محارم الرجل الثانى محارمه فيدخل عليهن بلا حق ويرى عوراتهن، وتحدث تداخلات غير مشروعة. إذن فقوله الحق: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فى أَرْحَامِهِنَّ» هو قول يريد به الحق أن تقوم الحياة على طهر وعلى شرف وعلى عفاف، ولا يعتدى أحد على حقوق الآخر. هذا بالنسبة للحمل. فكيف يكون الحال بالنسبة للحيض؟ أيضا لا يحل لها أن تكتم حيضها لتطيل زمن العدة مع زوجها. ويقول الحق: «إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بالله واليوم الآخر». فما علاقة الإيمان هنا بالحكم الشرعي؟ إنها علاقة وثيقة؛ لأن الحمل أو الحيض مسائل خفية لا يحكمها قانون ظاهر، إنما الذى يحكمها هو عملية الإيمان، ولذلك قيل: (الغيب لا يحرسه إلا غيب) وما دام الشيء غائبًا فلن يحرسه إلا الغيب الأعلى وهو الله تعالى. ويتابع الحق: «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ» والبعل هو الزوج، وهو الرب والسيد والمالك، وفى أثناء فترة التربص يكون الزوج أحق برد زوجته إلى عصمته، وقوله تعالى: «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» هل يعنى ذلك أن هناك أناسًا يمكن أن يشاركوا الزوج فى الرد؟ لأن الحق جاء بكلمة «أَحَقُّ» وفى ظاهرها تعطى الحق لغير الأزواج أن يراجعوا؟ لا، إنما المقصود هو أنه لا حق لأحد هنا إلا للزوج، فالرد خلال العدة من حق الزوج، فليس للزوجة أن تقول: لا، وليس لولى الزوجة أن يقول: لا. فالزوج إذا أراد مراجعة زوجته وأبت وامتنعت هى وجب إيثار وتقديم رغبته على رغبتها، وكان هو أحق منها، ولا ينظر إلى قولها، فإنه ليس لها فى هذا الأمر حق فقد رضيت به أولا. أما إذا انتهت العدة فالصورة تختلف، لابد من الولي، ولابد من عقد ومهر جديدين واشتراط موافقة الزوجة.