ربما يختفى الصحفي البشري وتهيمن الصحافة الآلية أو الربوتية الأسرع والأرخص، لكن ستزيد مخاطر التحيز والتزييف والتلاعب بالجمهور وانتهاك الخصوصية يتوقع كثير من الباحثين أن يستطيع الذكاء الاصطناعي إنشاء 90% من المحتوى عبر الإنترنت بحلول عام 2026، فى هذا الإطار تؤدى القفزة التكنولوجية القادمة فى السنوات الخمس القادمة إلى توليد ونشر مزيد من المحتوى الإعلامي الذى لن يتدخل فيه البشر، أى قد تهيمن الآلات والبرمجيات على كل خطوات العمل الصحفى والإعلامى بداية من اختيار الأخبار، وكتابتها واختيار الصور والأفلام وترتيب ظهورها بحسب البرامج التى وضعت لها، ثم نشرها، وبالتالى ربما يختفى الصحفى البشرى وسيهيمن الصحفى الآلى، أو الروبوت والحواسيب الكمومية وبرامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعى والخوارزميات المتقدمة. وستهيمن الصحافة الآلية أو ما يطلق عليه أيضا الصحافة الربوتية، أو الصحافة الخوارزمية، وسيكون بمقدورها ترجمة ونشر المضامين بلغات متعددة، مما يمكنها من مخاطبة جمهور عبر العالم والتفاعل معه، كما يمكن نشر الروبوتات المجهزة بالكاميرات وأجهزة الاستشعار فى المواقع الخطرة أو النائية للإبلاغ عن أحداث مثل الكوارث الطبيعية أو الحروب. القصد ستنتشر أتمتة الصحافة والإعلام لأنها ستكون الأسرع، والأرخص، وربما الأدق، ونظرا لأنها ستجمع بيانات هائلة عن شخصية كل متابع لها، فإنها ستكون قادرة على فهمه وتحليل شخصيته، وبالتالى التفاعل والحوار المستمر معه، فضلا عن تخصيص المضامين التى يفضلها، بل وإعداد برامج ومواد تسلية تتوافق مع عمره وتفضيلاته ومزاجه النفسى. لكن مقابل هذه المميزات ثمة مخاطر وإشكاليات تثيرها صحافة المستقبل القريب، لعل أهمها:- 1- زيادة مخاطر التحيز والتزييف والتلاعب بالجمهور نتيجة غياب الشفافية عن عمليات البرمجة والتشغيل لتلك التطبيقات والربوتات الذكية، والتى ستنتج وتوزع الضمامين الإعلامية، فقد يقع المبرمجون بدون قصد، أو يتعمدون - نتيجة رغبات الحكومات أو الشركات العملاقة التى توظفهم – التحيز والتمييز ضد فئات معينة أو ثقافات أو دول أخرى، كما قد يقدمون أخبارا مزيفة Fack news أو سرديات كاذبة للأحداث والتاريخ، علاوة على تزييف صور وفيديوهات Deep fack متقنة وجذابة، مما قد يهدد النظام الديمقراطى ويروج للأفكار المتطرفة وسرديات المؤامرة، من هنا تطرح أفكارا مهمة حول ضرورة سن تشريعات ومواثيق شرف وهيئات عامة مستقلة على المستوى الوطنى والعالمى لمراقبة أداء صحافة الذكاء الاصطناعى وضمان الشفافية. 2- موت مهنة الصحافة بشكلها المعروف حاليا وتراجع وربما اختفاء الصحفيين، وما يحمله ذلك من احتمال اختفاء روح النقد والإبداع الإنسانى فى التقارير الإخبارية، وكذلك اختفاء روح المرح أو القلق أو الحزن التى كانت تظهر فى المضامين التى ينتجها البشر، فقد أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعى قادرة على القيام بهذه المهام الصعبة، صحيح إنها حتى اليوم تقع فى أخطاء، وتحتاج إلى تدخل العنصر البشرى وقيام صحفيين بعملية المراجعة والتدقيق قبل النشر، إلا أنها تتطور يوما بعد يوم، وتثبت نجاحات متواصلة، حتى أنها يمكن أن تبتكر وتنقد وتتحدث أو تكتب بلغة حزينة أو ساخرة، والإشكالية هنا ماذا عن مستقبل الصحفيين وحقوقهم فى العمل، وفى ممارسة حريتهم فى العمل الصحفى الحر بعيدا عن قولبة الأفكار والأساليب التى ستلتزم بها الصحافة الآلية ؟ أتصور إن ضمان هذه الحقوق من شأنه أن يضمن التنوع والابتكار المستمر فى العمل الصحفى، كما أنه يضمن الشفافية والرقابة البشرية الواعية والقادرة دائما على التمرد على قيود الشركات العملاقة وأصحاب المال والسلطة فى المجتمع، وأعتقد أن التجربة الناجحة لكتاب السيناريو فى هوليود عام 2023 فى التفاوض مع شركات الإنتاج السينمائى يمكن أن تلهم الصحفيين عبر العالم. 3- تهديد خصوصية الأفراد، حيث ستتمكن الصحافة الآلية الذكية من جمع وتحليل البيانات الشخصية للمستخدمين دون علمهم أو على الأقل دون موافقتهم، وبالتالى قد تسيء استغلالها أو تقود ببيعها لأطراف تسيء استغلالها، مما يهدد الأمن المعلوماتى للمستخدمين. والإشكالية هنا أن كثيراً من دول العالم لم تسن تشريعات كافية وتشكل هيئات مجتمعية مستقلة لحماية الأمن المعلوماتى للأشخاص والحفاظ على حرية وخصوصية المواطنين فى مواجهة تغول الشركات العملاقة التى تمتلك وتشغل وسائل التواصل الاجتماعى، أو الشركات التى قد تمتلك فى المستقبل القريب الصحافة الآلية الذكية.