لا يمكن إلا أن يكون هناك مخطط واسع وراء هذه الحالة من التلاسن الذى وصل إلى حد الصراخ بين من يدعون أنهم يمثلون مذاهب وفرقا إسلامية مختلفة ومتباينة يتمسك كلٌ منها بمواقفه. وتدور هذه الملاسنات التى تقدم نموذجا سيئا بين رموز يفترض أنها إسلامية عبر مختلف وسائل الإعلام مكتوبة ومرئية وتلفزيونية وإلكترونية، والأخيرة هى الأكثر حدة واشتعالا. وتحولت المناقشات إلى ما يقترب من السيرك الذى يتابعه العالم فيضحك ولكنه ضحك كالبكا. والحقيقة أن كثيرين من هؤلاء تجاهلوا أن القرآن الكريم هو مركز الإسلام وبدأوا يعتمدون على عشرات الكتب التى تتضمن المئات من الأحاديث المكذوبة والموضوعة المدسوسة المنسوبة زورا وبهتانا للرسول الأعظم صلوات الله وسلامه وعليه. ومعظمها يحمل صفات تتناقض تناقضا مع صفات الرسول الأعظم التى وردت فى القرآن الكريم كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فإنه عليه الصلاة والسلام بعدما نزل الوحى عليه صار امتثال أوامره واجتناب نواهيه سجية له، وخلقاً ثابتاً من أخلاقه، هذا مع ما جبله الله عليه قبل ذلك من الخلق العظيم، والحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم والأمانة والصدق. وقد وصفه ربه سبحانه بأنه لعلى خلق عظيم، وأكد ذلك الوصف مرتين فى آية واحدة، فأكده ب«إن»، وأكده باللام فقال: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ - القلم:4». وأثنى عليه فى آيات أُخر منها قوله تعالى:»لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا - الأحزاب:21» . فبيّن سبحانه أنه عليه الصلاة والسلام هو الأسوة الحسنة الذى ينبغى للأمة أن تتأسى به فى كل شيء قال تعالى:»هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ - الجمعة:2» . والتزكية هى التطهير من أدناس الأعمال والأقوال والأخلاق والنيات، فجعل الله من صفات نبيه أنه يزكى من آمن به واتبعه، ولا يمكن أن تكون هذه التزكية بمجرد القول، بل لابد أن يكون المزكى صلى الله عليه وسلم مثالاً حياً رفيعاً فى التزكية. وقال سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ -آل عمران:159»، فوصفه بخلق الرحمة ولين الجانب، ونفى عنه ما يقابلهما من سوء الأخلاق، وقال سبحانه: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ - التوبة:128»، فوصفه سبحانه أنه (عزيز عليه ما عنتم)، أى يشق عليه ضرركم وأذاكم، وأنه حريص عليكم أى على ما ينفعكم فى دنياكم وأخراكم، وختم الآية بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وهى بعض من صفات المولى سبحانه وتعالى. وقد قرأت تقارير عدة عن جامعة تل أبيب الإسلامية، التى أنشأها الموساد الإسرائيلى عام (1956) حتى تكون مرجعاً للطلبة اليهود من أجل الاطلاع على الثقافة، والدين الإسلامى، ولأهداف، وغايات أخرى، يمكنها أن تخدم الأجيال اليهودية. ويبدو واضحا أن عمل الموساد لا يقتصر على التجنيد العسكرى، إنما يتعدى ذلك إلى التجنيد الثقافى، والفكرى كى يتمكن من غزو المجتمعات الإسلامية الرافضة للتعايش مع اليهود. فهؤلاء اليهود يدركون تمام الإدراك عظمة الإسلام «الصحيح» المتمثل فى آيات القرآن الكريم. ولذلك استخدموا تلك الجامعة التى لا يلتحق بها إلا اليهود لتعليمهم كل ما من شأنه تشويه الإسلام والمسلمين، وتقديم الإسلام عبر التأكيد والتركيز على المئات من الأحاديث المكذوبة المنسوبة زورا للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وخصوصا من خلال الدراسات التى تعتمد على البحث فى المخطوطات اليهودية القديمة ذات الصلة بالأدب اليهودى القديم والمليئة بالدراسات التى تستهدف تشويه الإسلام والمسلمين. ويتولى الإشراف على تدريب هؤلاء الطلاب علماء نفس واجتماع وسياسة، وعلماء اتصال. ويكون على «الطالب» المنتسب الاستعداد للتواصل والتعامل مع المسلمين. ويتم وضع الطالب فى القالب المتوافق مع الشروط الإسلامية من حيث المظهر، اللغة، طريقة الحديث، الاسم، حيث يتم اختيار التسمية على أن تكون مبهمة كأن يقال له: أبو مصعب الشيشانى أو أبو جنيد الشمالى. وتستغرق عملية الإعداد مدة طويلة، حتى يتخرّج «الداعية» ملمًّا بالعقائد الإسلامية والمسائل الفقهية واللغة العربية، حتى يكون بمقدوره توظيفها بما تستدعى الحاجة، كإعلان فتاوى «الجهاد» وعادة ما يتم إعداد هؤلاء المجندين ليتحوّلوا لقادة منظمات مسلحة «جهادية» فى أى لحظة، وتجربة تنظيم داعش ودعاتها «الجهاديين» ما تزال ماثلة أمامنا. بعدها تبدأ عملية دمج الخريج الجاهز فى المجتمعات العربية - كما جرى فى زمن ما عرف زورا وبهتانا بالربيع العربى - وكان هدفهم استحلال دم المسلم الذى يقاتل على الجانب الآخر، بحجة أنه كافر، وكانت الحكومة الليبية ألقت القبض على بعض المتطرفين يحملون وثائق مزورة وأسماء وهمية مثل: (أبو حفص) وهو يهودى متشدد اسمه: بنيامين أفرايم، عمل إماماً لأحد المساجد فى ليبيا، وقد اعترف بعضويته فى جهاز الموساد، وكان هناك العديد من المقاتلين تحت أسماء إسلامية مثل الشيشانى، والبغدادى، والحلبى، والموصلى، دستهم إسرائيل فى قلب دول ما عرف بالربيع العربى. ويبدو أن قليلين من العرب والمسلمين يعرفون تفاصيل هذه الجامعة المشبوهه، الموجودة فى وسط تل أبيب، والسبب أننا لا نقرأ ولا نتابع شئون أعدائنا، ولسنا معنيين بشيء. وتضم هذه الجامعة اليوم من ضمن كوادرها باحثين وأساتذه على المستوى العالمى، حاز بعضهم على جوائز نوبل، وجوائز مهمة أخرى. أما خريجوها فهم جزء من مجموعات عديدة يتم إرسالهم إلى العالم شيوخاً أو يأخذون أماكنهم على بعض الفضائيات المستأجرة فى العالم العربى والإسلامى، فمنهم الشيخ، ومنهم الإمام، ومنهم المفتى أو الداعية، أو القاضى، أو المدرس فى المدرسة والجامعة. ويتم إرسالهم وزرعهم فى كل مكان يحتاجونهم فيه، يعلمونهم لهجات أهل البلاد وعاداتهم وتقاليدهم، ثم يغدقون عليهم بالمال ليكسبوا ثقة سكان تلك البلاد، ويتقربوا إليهم أكثر، ليحققوا من خلالهم غاياتهم بالفتن والدّس والتخريب الممنهج. ويكون لدى هؤلاء الخريجين قدرات علمية فائقة لكسب مودة الناس من جهة، ولتشويه العقيدة الإسلامية ودس الفرقة بين الأديان والمذاهب وغسل العقول من جهة أخرى، وخاصة الجيل الصاعد من الشباب، المتحمّس لأى فكرة تصنع منه بطلا، وأكثر ما يكون التركيز فى القرى التى ينتشر فيها الفقر والجهل والتظلم من أبناء المدن. وهم يحسنون اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، للظروف المناسبة، ويهيئون الأجواء المثالية لنجاحه وإبداعه وحمايته من كل ضرر وسوء. فهذا المدعو يوشيه يُصبح اسمه يوسف، ويتحول المدعو موشيه ليصبح سماحة العلامة موسى النحاس، أو النجار أو الشيخ يوسف المغربى، أو يوسف الجزراوى، أو الحجازى، أو العراقى، من تلك التسميات المبهمة. فكيف تبحث وتتأكد من شخصية أبو فلان التونسى وهو أمير من الأمراء فى إحدى تنظيمات بلاد الشام يأمر وينهى ويشرع ويفتى. وكم من مئات من خريجى الجامعة الإسلامية فى تل أبيب بين أظهرنا يبثون سمومهم ومئات الآلاف من شعبنا الجاهل ينساق خلفهم، ويؤمنون بهم دون دراية. وربما تجد منهم من يسمى نفسه أبو مصعب وينشئ جماعة متطرفة ويقوم بعمليات إرهابية فى بعض الدول العربية. وتتوجه أصابع الاتهام إلى «الجماعات الإسلامية». وأظن أنه فى ظل التطور التكنولوجى الذى جعل البحث والتمييز بين الغث والسمين، يصبح دور الشباب العربى والمسلمين اليوم الحذر من هؤلاء المنافقين، وذلك باستخدام عقولهم وقلوبهم والمعلوم من الدين بالضرورة فى ثقافتهم لتمييز العلماء «العملاء» من العلماء الصادقين المخلصين. وإلى الأسبوع المقبل بمشيئة الله إن كان فى العمر بقية، لنستكمل تدبرنا فى كتاب الله الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.