إحدى الألعاب الخطرة التى يمارسها رئيس الحكومة الإسرائيلية «نتنياهو».. أنه يريد الجمع بين صورة الرجل القوى الذى يمسك بالسلطة، وصورة الرجل الذى يواجه ضغوط «المتطرفين»، فى حكومته أمثال «بن غفير»، ويخفف من تطرفهم!! لكن اللعبة مكشوفة للجميع.. فالرجل على مدى عشرين عاماً لم يتوقف عن «التطرف» فى معاداة الفلسطينيين، والعمل على سد الطريق أمام أى جهد سياسى للحل العادل للصراع. ولم يدخر جهداً فى قتل عملية «أوسلو» ونقض كل اتفاق مع الفلسطينيين بعد ذلك. وفى كل ذلك لم يكن الإرهابيون الجدد أمثال بن غفير معه فى الحكم. بل كان أحيانا يشارك بعض اليسار ويجمع الكل فى العداء والعنصرية تجاه كل ما هو فلسطينى أو عربي!! وطوال السنوات الأخيرة كانت أقصى أمنيات «نتنياهو» أن يوحد اليمين الصهيونى خلفه حتى استطلاع ذلك فى الحكومة الحالية التى ضمت زعماء عصابات اليمين وبعضهم سبقت إدانته بالاحتيال مثل «درعى» أو باتهامات تتعلق بالإرهاب والتحريض على العنف ضد الفلسطينيين مثل «بن غفير» وتسيمو تريتش» اللذين تسلما ملف الأمن الداخلى والاشراف على شئون الضفة الغربية مع تبنى الحكومة لاطلاق الاستيطان فى القدس والضفة الغربية بكل الوسائل. ولم يكن هناك فارق بين تصريحات وزرائه بأنه لا سبيل أمام الفلسطينيين إلا الرضوخ الكامل لاسرائيل.. أو الهجرة.. أو القتل، وبين ما قاله هو وقبل أيام من اجتياح «جنين»، بأنه يريد اجتثاث فكرة الدولة من عقول الفلسطينيين إلى الأبد!! حتى عملية «جنين» نفسها تقول آخر المعلومات إن نتنياهو عرض مخططها على المجلس الوزارى المصغر والمختص بالشئون الأمنية، ورفضت غالبية أعضاء المجلس القيام بها محذرين من عواقبها. لكن نتنياهو اتخذ القرار بعد ذلك مع وزير الدفاع.. والهدف هنا مزدوج: ضرب المقاومة لتأمين مخطط مضاعفة الاستيطان فى الضفة من ناحية، واستعادة صورة الرجل القوى فى مواجهة معارضة قوية تنظم المظاهرات الحاشدة منذ شهور ضد مخططات نتنياهو للسيطرة على القضاء. ولهذا حشد نتنياهو قوة عسكرية استثنائية للقيام بهجوم أراده صاعقا على مخيم جنين وهو يعرف جيدا أن الأمر لا يحتاج لهذا القدر من المدرعات والطائرات المسيرة وقاذفات القنابل، لكنه أراد أن يكون انتصاره حاسما وسريعا ليقول للفلسطينيين إنه لا طريق إلا الاستسلام أو القتل، وليقول للإسرائيليين إنه الوحيد القادر على قيادة إسرائيل نحو حسم الصراع فى فلسطين لصالح المشروع الصهيونى كاملا. ورغم أن قادة المعارضة فى إسرائيل سارعوا بإعلان تأييدهم للجيش وهو يهاجم المدنيين فى «جنين»، إلا أنهم واصلوا مظاهراتهم الحاشدة ضد نتنياهو ومشروعه للسيطرة على القضاء، وكانت النتيجة أنه فى نفس الوقت الذى يتم فيه اجتياح «جنين»، كانت الشرطة الإسرائيلية تستخدم العنف ضد المتظاهرين من المعارضة فى تل أبيب.. ومع انسحاب القوات الإسرائيلية من «جنين»، بعد فشل هجومها، كان رئيس جهاز الشرطة فى تل أبيب يعلن استقالته بسبب ضغوط من أسماهم «الفئة الوزارية»، التى تطلب منه استخدام أقصى العنف ضد المتظاهرين المعارضين لنتنياهو!! طوال الشهور الماضية كان هناك تساؤل داخل إسرائيل حول عدم مشاركة الفلسطينيين فى الداخل الذين يمثلون أكثر من 20٪ من تعداد إسرائيل فى مظاهرات المعارضة، وكانت الاجابة واضحة فى امتناع المعارضة عن إدانة الاحتلال أو طرح أى رؤية لحل الصراع الذى لن تحله القوة مهما كان حجمها. ربما تتضح الصورة أكثر الآن. السماح لنتنياهو بارتكاب جرائم الحرب ضد الفلسطينيين فى الضفة والقدس، سيمتد لداخل إسرائيل نفسها. اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو يريد التعديلات القضائية لحماية نتنياهو من السجن، وأيضا لإطلاق يد اليمين الإرهابى ضد الفلسطينيين وأيضا الإطلاق ضد المعارضين فى الداخل. توحش اليمين الإرهابى العنصرى سيستمر إذا لم تجد المعارضة من الوسط واليسار طريقا آخر يدرك أن الدولة العنصرية التى يحكمها يمين متطرف وقيادات فاسدة سوف تذهب بهم من حرب إلى حرب لتنجو بنفسها، ويدرك أيضا أن كل حديث عن الديمقراطية يفقد معناه مع احتلال لا يتوقف عن ارتكاب جرائم ضد الانسانية يستحق معها نتنياهو وزملاؤه فى حكومة الإرهاب أن يحاكموا دوليا باعتبارهم مجرمى حرب، لولا الموقف الامريكى الذى يسير على نفس طريق المعارضة الإسرائيلية فيقف ضده وهو يعتدى على استقلال القضاء ثم يقول - بكل بجاحة- إن المذابح فى «جنين»، هى دفاع مشروع عن أمن إسرائيل!! فى «جنين» سقط نيتنياهو وسقط من يعارضونه في الداخل ومن يدعمونه فى الخارج وبقى الرهان الصعب على أن نضال الشعوب يكتب دائما الكلمة ا لأخيرة فى معارك الحرية والاستقلال.