أشعلوا مشاعر الملايين حول العالم بظروفهم الصعبة التي فرضتها نيران الأزمات السياسية عليهم، قذفوا بأجسادهم في قلب البحر هربًا من نيران الحرب لعل أمواجه تحملهم إلى وطن جديد.. منهم من وصل إلى وجهته بسلام، وآخر وقع فريسة سهلة لأسماك البحر. استقبلتهم عدة دول أوروبية وضمنت لهم أساسيات الحياة الإنسانية، ولكن بعض المتطرفين والخارجين عن القانون والأخلاق أرادوا استغلال تلك المحنة، فارتكبوا أفعالا خارجة كالتحرش والسرقة والأعمال الإرهابية، فدفع ثمنها اللاجئون. تسببت تلك الأحداث في انقلاب من كانوا في صفهم، فصار المتعاطف معهم جلادا لهم، ووصل الأمر إلى حد التظاهرات والاحتجاجات والمطالبات بعدم إيواء المزيد منهم بل وطردهم، وبالفعل استجابت بعض الحكومات لرغبات شعوبها فقننت من أعداد اللاجئين الوافدين إليها. شهد العام 2015 أو «عام اللاجئين» تدفق أعداد ضخمة إلى أوروبا، كما شهد أحداثًا مؤسفة في فرنسا فكان العام الأسوأ عليها منذ سنوات طويلة. حوادث تورط فيها اللاجئون في يناير 2015، تم الهجوم على صحيفة «شارلي ابدو» الساخرة بالعاصمة الفرنسية (باريس)، ما أدى إلى مقتل 12 من صحفيي ورسامي الجريدة، وكان المرتكبون فرنسيين مسلمين من أصول عربية، ورغم من نشأتهم في مجتمع غربي إلا أنهم تشبعوا بالفكر التكفيري، وانقلبوا على المجتمع الذي عاشوا فيه بحرية. فيما شهد 13 نوفمبر الماضي، سلسلة هجمات إرهابية بفرنسا أيضًا، أدت إلى مقتل حوالي 129 شخصًا، وكان مرتكبو تلك الهجمات أيضًا فرنسيين من أصول عربية. أما ألمانيا، فسجلت حادثًا وقع في مدينة كولونيا، ليلة رأس السنة، ليتصاعد الغضب وتتزايد الأصوات المطالبة بمنع دخول اللاجئين العرب، إذ وجهت اتهامات لعدد من الأشخاص ذوي الأصول العربية بالتحرش بالنساء والفتيات المتواجدات في الشارع للاحتفال بالعام الجديد، كما قاموا بعدد من حوادث السرقة والنهب. أدى الحادث إلى إقالة رئيس الشرطة في المدينة الألمانية، بالإضافة إلى اندلاع عدد من المظاهرات، المنتمية للتيار السياسي اليميني، مطالبة برحيل المستشار الألمانية أنجيلا ميركل، والتي اضطرت الشرطة للتعامل معها بالمياه والعنف أحيانًا. خطة الاتحاد الأوروبي في مايو 2015، اقترحت المفوضية الأوروبية نظام «إعادة التوزيع»، لكي تحصل كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي على حصة من اللاجئين القادمين من دول النزاع. ووفقاً لموقع CNN سبتمبر 2015، فإن رئيس المفوضية جان كلود يونكر اقترح في خطاب أمام أعضاء البرلمان الأوروبي، خلال جلسة طارئة لمناقشة أزمة اللاجئين، أن يتم استقبال 150 ألف من طلبات اللجوء بحصص إجبارية متكافئة. تناقضت طرق قبول الاقتراح بين حكومات الدول الأوروبية، فبعضهم قبل وأعلن عن استقباله لعدد كبير من اللاجئين والبعض الآخر رفض الاقتراح وأعلن أنه لن يقبل أي من اللاجئين داخل بلاده، مثل المجر، التي قامت بغلق وأغلقت محطات القطارات أمام اللاجئين السوريين، بالإضافة للتشيك وسلوفاكيا وبولندا ورومانيا، التي عارضوا فكرة استقبال جزء من اللاجئين من الأساس وأن يكون ذلك إجباريًا. بداية التعاطف بدأت الأزمات في المنطقة العربية منذ 5 سنوات، ومن ضمنها أزمتي سوريا وليبيا، التي بدأت بهدف الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، لكنها سارت في منحنى مختلف عما خُطط له، خاصة مع وجود تنظيم «داعش» الإرهابي. تفاقمت الأزمة وبدأ التعاطف العالمي مع اللاجئين تزامنًا مع التركيز الإعلامي على المعاناة التي يعيشوها بشكل مستمر أثناء محاولاتهم الهروب بين حدود الدول البرية والبحرية، والتي كانت تنهي إما بالغرق أو الطرد والضرب. وفي أغسطس 2015، نشرت وكالات الأنباء وعدد من الصحف الأجنبية ومن ضمنها جارديان البريطانية، صور للشرطة المقدونية وهي تطارد مجموعة من اللاجئين على الحدود مع اليونان وتستخدم قنابل الغاز والصوت ضدهم لمنعهم من العبور. وفي سبتمبر 2015، وصل التعاطف الدولي إلى قمته، مع انتشار صورة الطفل السوري آلان الكردي، الذي غرق مع أسرته بالقرب من الشواطئ التركية بينما كانوا يحاولون دخول اليونان. حوادث وتصريحات مناهضة في ظل ما شهدته أوروبا من أعمال خارجة من بعض اللاجئين، أصبحت السمة الأساسية لهم في نظر بعض المتعصبين بأنهم خطر ويهددون أمن المجتمعات. ودليلا على ذلك فقد خرجت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية المتطرف تدعو إلى إغلاق حدود فرنسا مع ألمانيا وتوقيف مؤقت لإحدى بنود اتفاقية «شينجن» حتى لا يتسلل إلى بلادها اللاجئين، فلا ذنب ولا دخل لفرنسا في تلك الأزمة. كما اتهمت لوبان ألمانيا بفتح أبوابها على مصراعيها أمام اللاجئين وأن الأسباب اقتصادية في الأساس ولا علاقة لها بالأمور الإنسانية، حيث أرادت ألمانيا جلب عدد كبير من العمال بتكلفة قليلة قبل اكتشافها لمخاطرهم – على حد زعمها. كما صرح رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، 20 يناير الماضي بأن الوقت ينفذ أمام دول الإتحاد الأوروبي فيما يخص أزمة اللاجئين مطالبا بوضع حد للأزمة وتقليل الأعداد المتدفقة، وإلا فإن حكومته ستفرض قيودا على اتفاقية «شينجن» للسفر الحر بين الحدود. وفي تصريحات للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، السبت 30 يناير، قالت إن اللاجئين سيعودون إلى بلادهم مرة أخرى بعد انتهاء الأزمات، وذلك في مواجهة انتقادات اليمين المستمرة لحكومتها والتي تطالب بعودة اللاجئين لبلادهم. ومع تزايد الحوادث التي أثبتت التحقيقات تورط العرب الذين دخلوا أوروبا على أنهم لاجئين فيها، زادت المظاهرات المناهضة، وتصريحات السياسيين الرافضين لوجودهم. وفي تصريحات نشرتها صحيفة تليجراف البريطانية، الأحد 31 يناير، حذر وزير الدفاع البريطاني السابق، ليام فوكس، من تزايد أزمة اللاجئين في البلاد، مؤكدًا أنها من الممكن أن تتطور داخل البلاد لتصبح أكثر سوءً من حادث التحرش الذي وقع ليلة رأس السنة بمدينة كولونيا بألمانيا. وطالب فوكس البريطانيين بالتصويت لصالح «سيادة» بريطانيا في استفتاء الاتحاد الأوروبي القادم، حتى تتمكن الحكومة من فرض القوانين اللازمة لحماية حدودها، مؤكدًا أن مزيدًا من «الإرهابيين» يمكن أن يدخلوا البلاد وكأنهم لاجئين. وأشار فوكس إلى أن بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي سيسمح لمزيد من اللاجئين أن يدخلوا بلاده دون أن يقدروا على إيقافهم، وتابع قائلاً، «نحن لا نعلم من هم، وما هي دوافع لجوءهم إلى بريطانيا، ولن نستطيع منعهم». وفي السويد قام مجموعة من الملثمين المناهضين للمهاجرين في أوروبا، بالاعتداء على عدد من الأطفال المتواجدين في إحدى محطات المترو، بالعاصمة ستوكهولم. و نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية الأحد 31 يناير، أن هؤلاء الملثمين قاموا بتوزيع منشورات قبل ضرب اللاجئين، قائلين إنهم «تلقوا ما يستحقون من عقاب.. يكفي إلى هذا الحد».