لم تكن إيران والغرب ليتوصلا إلى إطار اتفاق نووي هذا الأسبوع دون دعم الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الذي نحى جانبا شكوكه العميقة تجاه الولاياتالمتحدة من أجل إنهاء عقود من العزلة الإيرانية. وتوصلت إيران والقوى العالمية إلى اتفاق إطار أمس الخميس بشأن الحد من أنشطة إيران النووية لمدة عقد على الأقل في خطوة نحو إبرام اتفاق نهائي بعد مواجهة وتهديدات استمرت 12 عاما. وقاد الرئيس حسن روحاني وهو شخصية معتدلة نسبيا انتخب في عام 2013 المساعي الرامية لتطبيع العلاقات مع العالم الخارجي. لكن في ظل النظام السياسي الإيراني يملك الزعيم الأعلى المحافظ البالغ من العمر 75 عاما السلطة المطلقة في البلاد. ورغم أنه صرح أكثر من مرة بأنه يعتقد أن المفاوضات ستفشل فقد قدم خامنئي لروحاني غطاء سياسيا مهما لمواصلة المحادثات الطويلة والشاقة على خلاف رغبة المعارضة الداخلية القوية. وأصبح خامنئي الزعيم الأعلى في عام 1989 بعد وفاة آية الله روح الله الخميني الذي قاد الثورة للإطاحة بالشاه المؤيد للغرب قبلها بعشرة أعوام. ورغم افتقاره لسلطة الخميني الثورية وشخصيته الجذابة فقد ظل خامنئي في السلطة لمدة 25 عاما بالموازنة بين مصالح الفصائل المختلفة. وبإتاحة المجال لإبرام اتفاق مع الأعداء فقد اتخذ خامنئي خطوة مماثلة لاتفاق سلفه مع العراق على وقف إطلاق النار في عام 1988 بعد حرب استمرت ثمانية أعوام قارنه الخميني آنذاك بتجرع كأس من السم. وعانت إيران لعقود بسبب العقوبات الاقتصادية لا سيما على مدى الأعوام الثلاثة الماضية عندما تسبب تشديد الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات ضدها في تقليص صادرات النفط شريان الحياة الرئيسي لاقتصادها. وخلال تلك الفترة دعم خامنئي فكرة "اقتصاد المقاومة" وصور برنامج إيران النووي كرمز للسيادة لا يمكن التخلي عنه مهما كان الثمن. ولا تزال خطاباته حافلة بالتنديد بالولاياتالمتحدة التي يصفها بأنها "الشيطان الأكبر". لكن عندما انتخب الشعب روحاني بأغلبية كبيرة قبل نحو عامين بارك خامنئي المفاوضات. وربما أدرك الزعيم الأعلى في الحقيقة أن الحوار هو الخيار الأفضل لإيران مع تزايد الضغط الدولي رغم أن خطاباته توحي بعكس ذلك ورغم انعدام ثقته في الغرب. ورغم دخول المفاوضات مراحلها الأخيرة فقد واصل خامنئي التأكيد على أنه يتوقع فشلها. وقال إن المحادثات مصدر للتشويش وحجاب رقيق يخفي عداوة أمريكية شديدة. وقال في خطاب الشهر الماضي وسط هتافات "الموت لأمريكا" من الحشود "يعرفون أننا لا نسعى للحصول على أسلحة نووية لكنهم يستغلون ذلك حجة للضغط على الشعب الإيراني." وعندما كتب أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي رسالة لإيران في مارس آذار يحذرون فيها من أنهم قد يعطلون أي اتفاق يبرمه الرئيس باراك أوباما اعتبر خامنئي ذلك دليلا آخر على عدم جدوى المحادثات. وقال "في كل مرة نصل إلى مرحلة تلوح فيها نهاية المفاوضات في الأفق تصبح نبرة الطرف الآخر لا سيما الأمريكيين أكثر تشددا وخشونة وصرامة. هذه هي طبيعة حيلهم وخدعهم." ويتوقع دبلوماسيون أن خامنئي وشخصيات أخرى محافظة تماشت مع روحاني فيما يرجع إلى حد بعيد إلى تفويضه الانتخابي القوي من أجل الحوار الدولي وبسبب الغضب الشعب من سوء إدارة الاقتصاد على مدى أعوام. وفي عام 2009 عجت الشوارع بأكبر مظاهرات للمعارضة منذ الثورة الإسلامية في عام 1979. ورغم أنه تم قمع هذه الانتفاضة سريعا فقد أثارت قلق المحافظين. جذور عدم الثقة كان قرار خامنئي دعم العملية الدبلوماسية حتى ولو بشكل مؤقت تحولا ملحوظا لرجل طالما أبدى احتقاره للولايات المتحدة وحلفائها الذين وصفهم طوال حياته "بالقوى المتغطرسة". وكان خامنئي مراهقا عندما دعمت وكالات مخابرات غربية انقلابا ضد رئيس الوزراء القومي محمد مصدق في عام 1953. ووفقا لسيرته الذاتية الرسمية فقد أمضى خامنئي بعد ذلك بعشرة أعوام - حين كان تلميذا للخميني وأحد المحرضين الشبان ضد حكم الشاه - أول فترة من عدة عقوبات بالسجن شهدت تعرضه "لتعذيب شديد". وبعد سقوط الشاه في 1979 تولى خامنئي عدة مناصب في الحكومة الإسلامية الجديدة. وانتخب رئيسا في عام 1981 ووعد في خطاب تنصيبه بالقضاء على "الانحراف والليبرالية واليساريين المتأثرين بأمريكا". ويصف باحثون خارج إيران الزعيم الأعلى بأنه منظر كتوم يخشى الخيانة وهو خوف تفاقم منذ محاولة اغتيال تعرض لها في يونيو حزيران عام 1981 أصابت ذراعه اليمنى بالشلل. وأصبح خامنئي مقربا من الجيش لا سيما الحرس الثوري وهي علاقة أتت ثمارها عندما سحق الحرس الثوري احتجاجات عام 2009. واستمد خامنئي مزيدا من القوة من خلال توسعة منظمة سيتاد التي أسسها الخميني وتحويلها إلى امبراطورية مالية تملك أصولا بعشرات المليارات من الدولارات.