لم يقدر المعتدون قيمة تاريخ و تراث مسجد الظاهر بيبرس وقيمة صاحبه رابع سلاطين دولة المماليك ومؤسسها الفعلي وسلطان مصر والشام، حينما تعدوا علي مسجده أكثر من مرة وعلي مختلف العصور. فقد تعرض مسجد الظاهر بيبرس للتعدي عدة مرات عبر فترات تاريخه بداية من العصر العثماني، فقد تعطلت إقامة شعائر الصلاة به، وتحول لمخزن للسلاح و احتياجات الحروب، ثم استخدمه الجيش الإنجليزي مذبحا للحيوانات، و استخدمه الفرنسيون قلعة أثناء الحملة الفرنسية علي مصر،وفي 1801م هدموا مئذنته، وفي عام 1812م استغلت أعمدته الرخامية لبناء رواق الجامع الأزهر. وأدت كل هذه التعديات علي المسجد إلي تهدم أجزاء من المئذنة و الحوائط، بالإضافة إلي مشكلة المياه التي تم التغلب عليها في الثمانينيات بوضع شبكة و نظام جديد للصرف الصحي وتصريف المياه الجوفية إلي أن تداركته لجنة حفظ الآثار العربية، وقامت باعتماد مشروعًا لإعادة بناء الواجهة الغربية للجامع بما في ذلك المئذنة وأُرسل المشروع إلي وزير الأوقاف، كما أيد مجلس النواب آنذاك الرغبة في إعادة ترميم الأثر وإرجاعه إلى صورته الأصلية. وقامت اللجنة سنة 1928م ببعض أعمال الترميم بالواجهات وتمكنت من ترميم الجزء الواقع عند المحراب وإعداده للصلاة وهو المقام فيه الشعائر حاليًا. وبدأ الظاهر بيبرس في بناء مسجده هذا في 15 جماد ثان 665 ه / 13 مارس 1267م، و افتتح المسجد في شوال 667ه / يونيو 1269م.. بني المسجد علي مساحة كبيرة، فيبلغ طول المسجد حوالي 268 مترا و عرضة 105 متر، وتم تخطيط الجامع وفق تخطيط طراز المساجد التقليدية على غرار مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم). ويتكون الجامع من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة، وواجهات الجامع مبنية بالحجر المشهر، وهي التي تستخدم فيها الأحجار ذات اللونين الأحمر والأصفر أو الأبيض، ويقال إن معظمها من زخارف وجهات الجامع الأقمر وجامع الصالح طلائع ومدخل المدرسة الصالحية ب»القاهرة الإسلامية«. ويبلغ ارتفاع الواجهات حوالي 11مترا ويتخللها دعائم بارزة لتدعيم الجدران، ويشتمل الجامع على ثلاثة مداخل تذكارية بارزة أحدها الرئيسي بالواجهة الشمالية الغربية يوجد فوقه بقايا بناء المئذنة والتي كانت قائمة حتى مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر، والآخران جانبيان بالواجهة الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية. ويتوسط الجامع من الداخل صحن مكشوف سماوي مربع المساحة تحيط به أروقة الجامع أكبرها رواق القبلة الذي يتكون من ست بلاطات لها عقود محمولة على أعمدة رخامية إلى جانب دعامات، ويتوسط جدار القبلة المحراب يتقدمه مقصورة مربعة كان يتوجها قبة، وفكرة المقصورة أقامها الخلفاء والسلاطين منذ العصر الأموي خوفًا من تعرضهم للاغتيال أثناء الصلاة، أما منارة الجامع، فتقع في وسط الوجهة الغربية أعلى المدخل الغربي. وتؤكد النصوص التأسيسية بالمبنى أن الأمر بالإنشاء على الأبواب الثلاثة كان في 14 ربيع الآخر 665ه / 12 يناير 1267م، والنص التأسيسي بالقبة أعلى المحراب مؤرخ في 666ه/ 1268م، وقد طلب السلطان أن يكون الباب مثل باب مدرسته بين القصرين، وتعمل له مقصورة "قبة" على المحراب على قدر قبة الإمام الشافعي.