بشوشة ذات وجه طفولي مشرق دائما...ابتسامة تنسيك أي حزن.. اسمها اسم زهرة عطرة..طلتها طلة أميرة عفوية صغيرة. عاشت حياة مرفهة جدا مع أمها و أختين لها من أب آخر، كانت أصغرهم ولذا هي الأخت المدللة و كل طلباتها مجابة، كانت أمها تعمل مديرة بإحدي دور الأيتام، و أختيها موظفات بالبنوك الأجنبية. قررت "ياسمين" ارتداء الحجاب عند وصولها لمرحلة الثانوية العامة وهنا تحول الأمر، فأخواتها شعرن بالخجل منها حال اصطحابها معهن أمام أصدقائهم، و أنها صغيرة على ارتداء الحجاب و رأت أسرتها أن هذه حالة وستزول وما هذا سوى تقليد لصديقاتها. و فكرت الأسرة في أقرب الناس إليهم ليتحدث إليها وكانت الحاجة "نادية" و اتصلوا بها و أبلغوها بما يضايقهم من "نرجس" فطلبت منهم إرسالها لها لتتحدث معها، ولكن لم تقل الحاجة نادية سوى ما يمليه ضميرها عليها، حيث كشفت عن سر لم تكن نرجس على علم به مطلقا وهو أنها من دار أيتام ! هنا وقعت الصدمة على "نرجس" و ظنت أن الأمر مزحة إلا أن الحاجة نادية أكدت لها الأمر و أنها كانت ضحية لحادث وقع وهي في عامها الأول و انقلبت سيارة وراح فيها والديها ولم ينج سوها، و بعد أن وصلت دار الأيتام أحبتها أمها بالتبني و أختيها، وقررن تبنيها و إعطائها اسم الأم حتى لا تشعر أبدا بالشفقة و العطف من أحد. و أخبرتها أن عليها أن تفعل الصواب من وجهة نظرها و الحجاب فرض، و عليها أن ترتديه عن اقتناع وليس لتقليد حتى تفعل ما يرضي الله كما ينبغي، و ظنت أن ما أخبرتها به سيدفعها للإقدام أكثر نحو الأفضل ولكن كان الأسوأ على الإطلاق. عادت "نرجس" ثائرة و منفعلة لدرجة أسمعت الجيران صوتها الذي لا يعلو أبدا، إلى أن أخذتها جارة لهم و هدأتها و أعدت لها عصير ليمون لكي ترتاح أعصابها، و قالت الجارة : كلنا كنا فاكرين إنك عارفة الحقيقة و إنها أمك بس ودتك الملجأ الأول عشان أبوكي مكنش جوزها، وعشان كدة محدش فكر إنه يفتح معاكي الكلام ده لأنه مش ذنبك".. و صعقت "نرجس" لكلام الجارة وذهبت لتواجه أمها التي ربتها فلم تجد منها إجابة، وبعد صراخ أخبرتها أنها لقيطة و تبنوها لأنهم أحبوها منذ أول يوم حضرت إلى الدار، و باتت "نرجس" في حالة عصبية سيئة للغاية، فهي لا تدرك حقيقتها و ذهبت إلى دار الأيتام الذي علمت بأنه الدار الذي ألقيت فيه لتسأل عن أي معلومات تفيدها في معرفة أهلها و لكن مر عام ولم تصل إلى أي شيء. تغيرت كليا، حيث خلعت الحجاب و اشترت ملابس غير المعتادة لها القصير منها و الضيق و الذي وصفه من رآها باللبس الخليع، و للأسف فرح بهذا المظهر أهلها بالتبني لأنهن يرتدين هذا النمط من الملابس، و أصبحت تسهر وتدخن و تخرج مع هذا وذاك. شعر أهلها بالمأساة مؤخرا و بدأن في نهرها و الانفعال عليها حتى وصل الأمر لضربها وطردها، تركت البيت و ذهبت إلى منزل إحدى صديقاتها و عادت إلى ما كانت عليه من صلاة و حجاب وذلك بعد حديث أخو صديقتها معها و بعد أن قرر والد صديقتها نقل الكفالة عليه، أحبت "نرجس" أخو صديقتها و ظهر هذا من الغيرة عليه حتى من والدته و أخواته، فأخبرتها صديقتها أن عليها البحث عن مكان آخر بشكل لا يقلل منها. خرجت "نرجس" لا تعرف أين تذهب فحتى خالتها بالتبني رفضت مكوثها معها، الكل لا يريدها فذهبت للبحث عن عمل هنا وهناك وتبات في الشارع، حتى وجدت وظيفة مندوبة مبيعات بشرط أن تكون غير محجبة فوافقت وطلبت أن تأخذ أول مرتب مقدم حتى تتمكن من إيجار أي مكان، و بالفعل أجرت شقة صغيرة و كان راتبها للإيجار ومصاريف الكلية أما الأكل فتأكل ما يساعدها على البقاء حية فقط. و حاول الكثيرون الارتباط بها إلا أن واحدا فقط تمكن من التأثير عليها وساعدها ووقف إلى جانبها و عرفها بأهله و كان يوميا يذهب إليها بالطعام يتركه لها ويذهب، إلا أن يوما كانت في شدة حزنها من كلام الناس فلم يستطع تركها و مكث معها حتى وصل الأمر إلى تخطي كل الخطوط الحمراء.. هرول مسرعا و هي وقعت مصدومة مما حدث، أخذت تفكر ماذا تفعل و أين تذهب و بعد يومين عاد إليها يخبرها بأن عليهما الزواج و لم يوافق أهله لصغر سنه إلا أنه تزوجها بدون موافقتهم و أخبرها إن لم تتزوجه بأنه سيفضحها، فوافقت على الفور، ثم أصبحت علاقتهما سيئة جدا يذهب إليها حين يرغب بها فقط. و بعد فترة من ضيق الحال عليه أرغمه أهله على الزواج..و أصبحت نرجس لقيطة..لقيطة الظروف..لقيطة المجهول الذي لا تعرف حقيقته..لقيطة الحياة.. و تخيلت للحظة أن صديقتها هي الوحيدة التي ستقف إلى جانبها و لكن حتى صديقتها خافت على نفسها منها، و خافت على سمعتها و أغلقت كل الأبواب التي يمكن أن تصل إليها عبرها. و تنتظر الآن نرجس الموت الذي يمنعها عنه أن الانتحار كفر وما عليها سوى انتظار رحمة الله..فهي ناقمة على قسوة المجتمع و النظر إليها نظرة متدنية..وكل ما تدركه أنها ضحية للظروف التي حتى لا تعرف حقيقتها إلى الآن.