مرة أخري كانت مصداقية واشنطن موضع اختبار بعد ان امتنعت الولاياتالمتحدة عن ادانة المجزرة الإسرائيلية الدموية في المياه الدولية ضد اسطول الحرية.. وفي الوقت الذي أدان فيه العالم كله اسرائيل كانت الولاياتالمتحدة الاستثناء الوحيد حيث ساندت ادعاء اسرائيل بأن عملها الاجرامي كان دفاعا عن النفس.. ولم يكتف المندوب الأمريكي بالأمم المتحدة في مرافعته امام مجلس الأمن بذلك بل سعي إلي تصوير اسرائيل بأنها ضحية وعمل بكل همة بتعليمات من واشنطن علي منع المجلس من ادانة اسرائيل والاكتفاء بادانة العنف في بيان صدر بعد محادثات شاقة مع الدعوة لإجراء تحقيق سريع وحيادي وذي مصداقية.. وقد جاء اختفاء الرئيس أوباما من شاشة الرادار السياسي العالمي التي اهتزت فزعا من انتهاك اسرائيل لجميع الأعراف والقوانين الدولية لطرح السؤال الذي يراود جميع المراقبين منذ سنوات وهو إلي متي ستظل واشنطن صامتة في مواجهة اعمال اسرائيل الهمجية؟ ومن المعروف ان الرئيس أوباما يطلق مدفع تصريحاته ليل نهار بشأن أي حدث ولكنه فضل الصمت وترك المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض روبرت جيتس ليحاور وسائل الإعلام حول موقف واشنطن التي أصبحت تري ان السلام في الشرق الأوسط أصبح أكثر الحاحا.. ولم ينس المتحدث الرسمي ان يتغني أكثر من مرة بمعزوفة قيام دولتين: دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية. وإذا كانت إسرائيل قد دأبت علي إهانة الولاياتالمتحدة ورفض أي طلب أو نداء أو رجاء فإن ما أقدمت عليه إسرائيل لا يمكن اغفاله لأنه بمثابة مواجهة قد تكون مقصودة أو غير مقصودة مع واشنطن حيث أعطي رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر لقواته بالهجوم علي اسطول الحرية قبل ان يغادر اسرائيل في طريقه لاجتماع مع الرئيس أوباما.. وهنا لابد أن نلاحظ النمط الذي دأبت حكومة نتنياهو علي اتباعه: فقبل أي زيارة للمبعوث الأمريكي ميتشل تقدم اسرائيل علي ضرب عرض الحائط بأي مطالب أمريكية كما انها لم تتورع عن توجيه صفعة لواشنطن عندما اعلنت اثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عن استمرارها في بناء المستوطنات في القدس.. ولكن واشنطن تغاضت عن مواجهات اسرائيل واندفع الرئيس أوباما شخصيا ليدافع عن اسرائيل ويعلن رفضه وتحفظه تجاه ما صدر عن مؤتمر مراجعة منع الانتشار النووي منذ أقل من اسبوع بمطالبة إسرائيل بالانضمام إلي معاهدة حظر الانتشار. ورغم هذه التصريحات الحميمة من جانب الرئيس الأمريكي فقد أقدمت اسرائيل علي استخدام القوة المفرطة في التعامل مع جمع كان كل هدفه تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني ولفت انظار العالم للحصار الإسرائيلي علي قطاع غزة التي تحولت إلي أكبر سجن مفتوح. وإذا كان بعض المراقبين قد وصفوا التصرف الاسرائيلي بأنه إجراء أحمق يمهد لشن عدوان علي ايران بعد أن ترددت أنباء عن قرب دخول غواصات إسرائيلية إلي منطقة الخليج فإن هذا لم يمنع عددا من خبراء السياسة الأمريكية من التساؤل عن جدوي وضع إسرائيل تحت مظلة الحماية الأمريكية. وقد صرح جيمس روبين رئيس مركز الأمن الدولي والدفاع بمؤسسة »راند« للدراسات السياسية والذي عمل مبعوثا لكل من إدارة الرئيس السابق كلينتون وإدارة الرئيس بوش بقوله: »ان تكاليف الانحياز لإسرائيل قد أصبحت أكثر وضوحا وأصبح التعرف علي فوائدها أكثر صعوبة..«. ويري المراقبون ان تداعيات الغارة الإسرائيلية ستجعل أجندة العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط أكثر صعوبة وتعقيدا خاصة في مواجهة ما يبذل من جهد لتشديد العقوبات علي ايران والتعامل مع الوضع الحرج في العراق ومواجهة الإرهاب في افغانستان.