في عام 0202 حين تصبح كونداليزا رايس رئيساً للولايات المتحدة، وخلال انعقاد مجلس الأمن، فإن رئيس جمهورية المكسيك، سوف يتجرأ علي التصويت ضد احتلال الولاياتالمتحدة لكولومبيا سيأتي انتقام الولاياتالمتحدة من المكسيك فورياً، إذ انطلاقاً من أنها السلطة والقوة التي تحتكر وحدها المعرفة بكل أفضلياتها وتقنياتها، قررت كونداليزا رايس قطع نظام الاتصالات عن المسكيك، فلم تعد هناك هواتف، أو فاكسات، أو بريد اليكتروني، أو إنترنت، أو كمبيوترات، أو أقمار صناعية. غاصت المسكيك في كابوس غير متوقع، شل كل الفعاليات الفردية والمجتمعية، وأخضعها لاستسلام شامل انفلاتاً من كل منجزات العقل الإنساني، وبالحتمية أصبح تبادل الرسائل المكتوبة باليد الوسيلة الحصرية للاتصالات سبعون رسالة جري تداولها بين قمم قيادية نافذة استطاعت هذه الرسائل ان تمشهد كل ما يمكن لمفهوم السياسة أن ينتجه في ظل نظام مشروعيته باطلة، انطلاقاً من انه لا يتحمل مسئوليته تجاه استحقاقات مجتمعه، ولا يتصدي لأزماته ومشكلاته، بل يمارس النهب للممتلكات العامة في مسار الخصخصة، ويتلاعب سراً بأقدار البسطاء لصالح محاسيبه، ولا يخشي افتضاح ما يخفيه، حيث أتلف كل ملفات إدانته، ورسخ تثبيت سياسة إكراه بالقبول التام من مجتمعه لكل ما يصدر عنه قولاً، أو فعلاً، أو تجاهلاً، لذا فعبر هذه الرسائل السبعين جميعها لم يلمس أي من المسئولين مناقشة أزمة عزلة الاتصالات، بوصفها يقيناً حاضراً، وتبدت كأنها ظاهرة زائفة، إذ لم يورد أحدهم صدي لتأثيرها في الإرادة العامة للمواطنين، وكأن الدولة رأساً بلا جسد، أو كأنها تخلت عن أنها الضامنة الأولي بصورة عادلة لأمن أفرادها، بوصف الامن مرادفاً للحرية كحق مؤسس للبشر بحكم المولد، وليس بالاكتساب. تجاهل النظام الحاكم التأثير الهائل لعزلة الاتصالات، إذ تجلي رهان قياداته النافذة في معركة الاستحواذ علي السلطة، التي تعد جوهر خارطة الوجود، حيث يتعالي بها حائزها فوق كل الإرادات، وذلك في سياق ما يطرحه تشخيص حالة رئيس الجمهورية الذي يعاني وضعاً صحياً حرجاً لإصابته بسرطان الدم صحيح ان دستور المكسيك ينص علي دورة واحدة للرئيس مدتها ست سنوات، لكن الصحيح كذلك والمهم انه ينص أيضاً علي ان نائبه - أو من يحظي بدعمه كمرشح - يكون صاحب الحظ الأوفر للفوز بكرسي الرئاسة من بعده، وذلك ما يشحن آفاق كل الطامعين لا يختصره هذا النص من مجهودات، وما ينجزه بتأكيد الاستحواذ علي كرسي الرئاسة بدعم الرئيس، لذا فعلي الفور تبلورت قطبيات سياسية من المحيطين بالرئيس، شكلت عالماً من السرية لتواطآت وتحالفات، واصلت نسج المؤامرات في ظل ذلك الارتباك العنيف بانقطاع الاتصالات، وانحشرت في مضائق استخدام الرسائل المكتوبة التي يتبادلونها، الجميع يسابقون موت الرئيس المفاجئ، للفوز بكرسي الرئاسة، رئيساً بديلاً لأربع سنوات باقية، حيث المهم ان دعم الرئيس البديل لمن يخلفه يحدد اسم الرئيس الجديد، وذلك ما ولد ممارسات المهام القذرة، والخداع الخسيس، والخيانة الغادرة، ومناورات الإقصاء بالقتل، والتحييد، والاستقطاب، والتحولات، والانعطافات، حتي لم يعد يعرف للسياسة وجها حقيقيا من كثرة الأقنعة التي تتبدي بها، سوي دلالة عنفها المحض الذي يغذي قوي الباطل في مواجهة قوي الحق انتهي المشهد بحدث استثنائي تهاوت أمامه كل المخططات كانت »ماريا« الصديقة الحميمة للرئيس، التي تدعم سراً معشوقها في الخفاء، وزير الداخلية، للفوز بالرئاسة، قد استقطبت شاباً مجهول الهوية، يدعي »نيقولاي« أوهمته باصطفائه معشوقاً، ووعدته انها ستكون له عندما يكون رئيساً للجمهورية، وأقسمت له أنها ستجعله رئيساً، وأطلقت حيلتها تزكي رغبته وتؤججها، ودفعته الي العمل بمؤسسة الرياسة لدي مكتب رئيس الديوان، وهي علي الحقيقة تستثمره للقضاء علي رئيس الديوان منافس معشوقها، وافترضت ان الشاب علي ما هو عليه من الاستسلام، فإذ به يخدعها، بل يخدع الجميع، ويتحول من لص مزور الي رئيس للجمهورية، بمساعدة رئيس البرلمان وإحدي عضواته النافذات. إن الروائي المكسيكي »كارلوس فونتس«، في روايته »كرسي الرئاسة«، يطرح معضلة المزايدات بتمجيد الديمقراطية، والممارسات المناقضة لها داخلياً وخارجياً، حيث تتجلي المزايدات الخارجية في تنطع الأمركة بتمجيد الديمقراطية، بالتزامن المفضوح لممارساتها الهيمنة علي مقدرات الشعوب، بحرمانها من حقوقها، ونفيها عن إنجازات مراحل التاريخ وداخلياً تتبدي ممارسات أنظمة حكم للقمع العاري، ثم تقنع بمزايدات الاستثمار المضاد لديمقراطية موهومة، فتحول النظام الجمهوري الديمقراطي الي جمهورية توريث، بأن ينص الدستور علي تعيين الرئيس القادم بدعم من الرئيس السابق، وهو ما يناقض الديمقراطية في الصميم، تري هل يمكن استبراء الشعوب من مسئوليتها؟