قليلات هن اللواتي عن جدارة دخلن إلي محراب الفن ولم يخرجن وما زلن يجبن القفار الفنية والقرائح الأدبية لينثرن فيها نضارتهن وعبقهن وفتنتهن بل وقداستهن.. وتأتي السيدة العذراء في مقدمة هؤلاء اللواتي إلي محاريب الفن سرن وإليه أسررن، وجبن دهاليزه، وعلي أطروحاته أجبن، فطالما ألهمت السيدة العذراء فناني وشعراء وكتاب العالم وكانت وما تزال نبع إلهامهم والأفق الرحب الذي يسع أحلامهم وآمالهم وانكساراتهم وآلامهم .. ويقول أيضا الحسين خضيري في كلمته التي استهل بها ترجمته لكتاب "مريم العذراء في الفن" للمؤلفة ايستل ماي هرل: أن أول ما عرفت العذراء في الفن من خلال البورتريهات، وكانت هذه البورتريهات بيزنطية أو يونانية، وتم جلبها إلي روما، وقد بدت العذراء فيها نحيفة زاهدة. وتقول المؤلفة في مقدمة كتابها: مر خمسة عشر قرنا منذ قدم العذراء مريم والطفل الرضيع إلي الفن، وبوسعنا آمنين أن نقول طيلة كل هذا الوقت والعمل لا يضاهي في شعبيته، ولا يتطلب الأمر فلسفة عميقة لاكتشاف السبب ؛ فالعذراء صنف كوني من الأمومة، إنه موضوع يناشد كل أنماط الناس وأحوالهم ؛ فالطفل الصغير يسهل عليه تقدير هذا تماما مثلما يسهل ذلك علي الرجل المسن وكلاهما (علي حد سواء) ينجذب إليه بعامل جذب لا يقاوم، لذا قرنا بعد قرن سكب الفنان روحه في هذه السمه السائدة من حب الأم، إلي أن أضحي لدينا كم هائل من صور العذراء جد عظيم حتي أنه ما بوسع أحد أن يجرؤ علي تقديره، وهذا يعني أن كل صنف ظل طويلة حتي استنفد، لكن النهاية لم تأت بعد، فطالما ظلت لدينا أمهات، فسيظل الفن يبدع عذراوات. ويحتوي الكتاب الصادر عن "كتاب اليوم" علي ثمانية فصول توضح فيها الكاتبة رؤيتها حول العذراء كملهمة للأمومة وكأم مقدسة، لا تناقش فيه النواحي التاريخية ولا الأسطورية المتعلقة بالعذراء، وقامت فقط بطرح سؤال ارتكزت علي عدة مناح في الإجابة عليه ألا وهو كيف تم تقديم العذراء كأم وعلي أي وجهة تم عرض العلاقة بينها وبين طفلها، ويتخلل هذه الفصول العديد من اللوحات التي تتحدث عن السيدة العذراء في كل العصور، ونلمح عاطفة الأمومة وتوهجها في كل خط من خطوط اللوحات التي تناولت العذراء كأم، وتجعل المؤلفة من رافائيل نقطة انطلاقها، حيث يمنحنا في لوحاته حميمية العلاقة ما بين الأم وطفلها كما في لوحتي "الحارسة الجميلة" و"عذراء التيمبي"، وعنت لنا العذراء أما رؤوما متفانيه وعذراء متوجه وشاهدة مباركة، ولكن لم ير الفن فيها أعظم من كونها أما في أبسط معاني الأمومة وأقواها وأدلها. وتفصح ثناء أبوالحمد رئيس تحرير كتاب اليوم عن سبب إصدارها لهذا الكتاب أنه جاء بمناسبة احتفال الإخوة المسيحيين بأعياد الميلاد المجيد وهو يستعرض الإبداعات الفنية للسيدة مريم العذراء "رضي الله عنها" كما تخيلها الفنانون كرمز للأمومة والطهر. السيدة مريم وابنها المسيح "عليهما السلام " يحتلان مكانة كبيرة في قلوب المسلمين والمسيحيين وبعيدا عن التفسيرات الدينية فإن هذا الكتاب يطوف بنا في متاحف العالم ليقدم لنا إبداعات رسامين كبار عبروا عن حبهم للسيدة العذراء وابنها من خلال الريشة والألوان لنري بعدا إنسانيا جديدا للأمومة الفريدة التي جسدتها لنا السيدة مريم.