لقد جعل البترول - ومعناه زيت الصخر - بعض الدول ثرية اقتصادياً بل بالغة الثراء، خصوصا بعد حرب 1973 بين العرب وإسرائيل وارتفاع ثمن البترول بصورة غير مسبوقة ولم يحدث مثل ذلك في مصر، لأن مصر ليست دولة بترولية بالمعني التقليدي. وبترول مصر الحقيقي ليس الزيت والغاز، إنما هو حجر الجير والطفلة « ذلك من وجهة النظر الاقتصادية «. وحجر الجير والطفلة هما خامات الأسمنت، والذي يجب أن يقوم في الاقتصاد المصري بالدور الذي يقوم به البترول في الدول البترولية، وبالطبع لم يحدث ذلك بسبب فساد قانون المناجم والمحاجر والفساد العام في مصر، ويتكون الأسمنت، أهم مادة صناعية في حياة الإنسان من حجر الجير والطفلة المحروقين، وهناك أنواع متعددة من الأسمنت أكثرها استخداما هو أسمنت بورتلاند، نسبة إلي حجر جير بورتلاند وهو حجر جيري يوجد في شبه جزيرة بورتلاند في جنوبانجلترا كان يستخدم في البناء قديما. وصناعة الأسمنت صناعة ملوثة للبيئة وقد تخلصت منها الدول المتقدمة وصدرتها (حدفتها) إلي الدول المتخلفة (النامية). وخامات الأسمنت بالغة الوفرة في مصر ولذا تتسابق شركات الأسمنت العالمية لامتلاك مصانع الأسمنت في مصر حيث تحصل هذه الشركات علي خامات الأسمنت بدون ثمن تقريبا وتبيع هذه الشركات الأسمنت للمستهلك في مصر بأسعار مبالغ جدا فيها وتربح مليارات الدولارات من بيع الأسمنت في السوق المحلية والعالمية، وليس للدولة المصرية نصيب يذكر في ذلك. وإني أري أن تدخل الدولة كشريك في صناعة الأسمنت بحصة الخامات، أو أن تأخذ الدولة نسبة لا تقل عن 10% من الثمن الذي يباع به الأسمنت في الداخل والخارج كثمن لخامات الأسمنت (حجر الجير والطفلة). أما ما يحدث الآن من حصول شركات صناعة الأسمنت علي الخامات بدون مقابل تقريبا من خلال قانون المناجم والمحاجر سيء السمعة فهو عبث وإهدار للثروة المعدنية. وحجر الجير هو كربونات كلسيوم وبالعادة لا يوجد في الطبيعة نقياً بل يحتوي بعض الشوائب وهي التي تكسبه ألوانه المعروفة وأكثرها اللون الأصفر - البني الباهت. هناك نوع نادر نسبياً من حجر الجير هو حجر الجير الأبيض الناصع البياض مثل القطن أو أكثر بياضاً. وهو كربونات كالسيوم نقيه جداً، وهذا سبب لونه الناصع البياض. ويستخدم حجر الجير الأبيض في العديد من الصناعات الكيميائية المهمة منها صناعة الدواء. وبسبب ما يمكن تسميته بالجهل والفساد معاً يتم تصدير جانب كبير من حجر الجير الأبيض بحسب قانون المناجم والمحاجر الفاسد بقروش قليلة للطن، وتقوم بعض الدول « بغسل « هذا الحجر وتنقيته ليصل نقاؤه إلي ما يقرب من مائة في المائة ويعاد تصديره إلي دول أخري ومنها مصر بأرقام فلكية ( يقترب سعر الطن من ألف دولار ). أما الجزء الأكبر من حجر الجير الأبيض، فيستخدم في مصر علي هيئة بلوكات ( طوب ) للبناء، ولا يوجد حسب علمي في اللغة العربية أو أية لغة أخري كلمات يمكن أن تعبر بدقة عن مثل هذا» الجهل والتخلف والفساد « الذي يتعمد إهدار إحدي الثروات الطبيعية القليلة نسبياً علي مستوي العالم وهو حجر الجير الأبيض. ولا أدري من نناشده لإيقاف هذا العبث والجهل واستنزاف إحدي الموارد الطبيعية المهمة في مصر والذي يتم بالقانون « قانون المناجم والمحاجر « سيء السمعة. ومشروع إنتاج كربونات الكالسيوم النقية ( بتكنولوجيا ليست عويصة أو مكلفة اقتصادياً ) ذات الاستخدامات الصناعية المتعددة من حجر الجير الأبيض مشروع جيد، وأرجو أن يتبناه أحد المستثمرين في مجال الصناعة، كذلك يجب أن تشجع الدولة مثل هذه المشاريع. هناك خامة معدنية أخري بالغة الأهمية ويتم إهدارها أيضا بقانون المناجم والمحاجر سيء السمعة وهذه الخامة هي المرو البالغ النقاء الذي يستخدم في الصناعات الاليكترونية في الدول المتقدمة صناعيا، ويوجد هذا المرو (الكوارتز) في جبال تسمي أعناق المرو وهي منتشرة في الصحراء الشرقية بمصر وتقوم الآن ومنذ فترة طويلة بعض الشركات باستخراج هذا المرو البالغ النقاء كما هو الحال في وادي الفالج، وتصديره لبعض الدول الأوربية. ومثل هذه الخامات يجب أن يباع الطن بآلاف الدولارات أما في مصر وبحسب قانون المناجم والمحاجر والفساد العام فيباع الطن بقروش قليلة. إن الفساد في الثروة المعدنية في مصر يفوق فساد نهب الأراضي. تجدر الإشارة إلي أن إحدي سمات الصين المتفردة هي أنها لا تصدر ثرواتها المعدنية في صورة خامات إنما تصدرها مصنعة.