قال د. مصطفى محمود سليمان أستاذ الجيولوجيا بقسم هندسة البترول وتكنولوجيا الغاز بالجامعة البريطانية- ان صحيفة المصرى اليوم نشرت بتاريخ 14/5/2014 فى الصفحة السابعة تقريرا خطيرا عن غاز البحر الأبيض المتوسط ومدى أحقية مصر فى هذا الغاز ، و أوردت الصحيفة رأيين متعارضين بمقدار 180 درجة فى هذا الشأن أحدهما لرئيس هيئة الثروة المعدنية (المساحة الجيولوجية)السابق والرأى الآخر لأستاذ تعدين بجامعة فاروس بالاسكندرية . ويسعدنى أن أوضح الآتى : 1- البحر الأبيض المتوسط هو – لأسباب جيولوجية معروفة – مخزن عملاق للبترول (الزيت والغاز الطبيعى)الذى يوجد تحت سطح قاع البحر فيما يعرف بالرف القارى continental shelf – والرف القارى هو الامتداد الطبيعى لصخور القارة الذى يتغطى فى الوقت الحاضر بماء البحر – وبدأ الاهتمام عالميا ببترول الرفوف القارية فى عشرينيات القرن الماضى ، وفى عام 1922بدأ الحفر عن البترول فى الرف القارى فى بحر قزوين ، وفى عام 1949 بدأ الحفر عن البترول فى الرف القارى البعيد عن الشاطئ فى خليج المكسيك .. وهذه معلومات أولية اذكرها لطلابى فى قسم هندسة البترول وتكنولوجيا الغاز بكلية الهندسه بالجامعه البريطانية فى مصر .وهناك اكثر من مائة دولة تجرى الآن دراسات على التنقيب عن البترول و استخراجه فى المناطق البعيدة عن الشواطئ وتقوم بهذه البحوث فى الغالب كبرى شركات البترول العالمية والتى تعرف فى أدبيات البترول باسم الاخوات السبع seven sisters وهى بريتش بتروليوم ، شل ، اكسون (اسو سابقا)، جلف ، تكساسو ، موبيل ، سوكال (شفرون) . وفى عام 1958 وقعت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حق الملكية التى تؤكد حق كل دولة فى استغلال الثروات المعدنية (بما فيها البترول) فى رفوفها القارية . 2- يبلغ الاحتياطى المؤكد (ثبت وجودة بالدليل) للزيت (زيت البترول) فى مصر نحو 4.5 بليون برميل ، والاحتياطى المؤكد للغاز الطبيعى نحو 2.19 تريليون متر مكعب (التريليون هو الرقم واحد أمامه اثنى عشر صفرا) – ويحتوى خليج السويس على نحو 70% من إحتياطى مصر من زيت البترول ، وتم حتى الآن حفر أكثر من 1900 بئر بترول فى خليج السويس واكتشاف نحو 120 حقل بترول فيه ...الخ 3- يتم الآن استخراج البترول (الزيت والغاز ) فى مصر بجانب خليج السويس من عشرات الآبار وحقول البترول فى شمال غرب الصحراء الغربية وعشرات المواقع فى الرصيف القارى شمال بورسعيد وشمال الاسكندرية وبعض المواقع الآخرى الصغيرة فى وادى النيل والدلتا . 4- بحسب جيولوجية مصر ، فان كاتب هذه السطور يعتقد أن جيولوجيا البترول فى مصر لم تدرس دراسة جيدة بعد ، لأسباب عديدة – ليس هنا مكان تفصيلها . 5- هذه مقدمة ضرورية قبل الحديث عن مشاكل قطاع التعدين والبترول فى مصر ومنها غاز البحر الأبيض المتوسط . 6- التعريف العلمى للثروات المعدنية هو " كل ما يستخرج من الأرض وينفع الناس" – و يعتبر البترول ( الزيت والغاز الطبيعى ) والمياه الجوفية رواسب أو ثروات معدنية بمفهومها العام . 7- كان يجب أن تشكل الثروات المعدنية بما فيها البترول الجانب الأكبر فى الاقتصاد المصرى ، غير أن ذلك لم يحدث ، بل أن قطاع التعدين (المختص بالثروات المعدنية الصلبة ) وقطاع البترول يشكلان عبئا ثقيلا على الاقتصاد المصرى، ويتم ذلك بالقانون للاسف الشديد ، وقصد به قانون المناجم والمحاجر. فبفضل هذا القانون سئ السمعة (ليس لهذا القانون فضل على مصر ، بل يعود فضله إلى الفاسدين ) تباع خامات حجر الجير والطفلة (هما خامات الاسمنت ) والرخام والجبس والفوسفات والكبريت والاملاح المعدنية والرمل والزلط والسيليكون ..الخ للمستثمرين المصريين والاجانب بالهكتار (الهكتار يساوى عشرة آلاف متر مربع ) ويباع الهكتار من هذه الخامات بلا ثمن تقريبا . فاذا ما تطرقنا إلى صناعة الاسمنت مثلا ، أصابنا هول عظيم من حجم الفساد فى قطاع التعدين و البترول فى مصر ، فطن الاسمنت يحتاج إلى نحو طن ونصف خامات معدنية (حجر جير وطفلة ) وتحصل الشركات عليها كهدية تقريبا. المساهمة فى الارباح واسترداد التكاليف بجانب الفساد فى قطاع التعدين والمتمثل فى قانون المناجم والمحاجر لسنة 1964 ، الذى يعرفه بالضرورة كل رؤساء هيئة الثروة المعدنية ( المساحة الجيولوجية ) السابقون واللاحقون ، هناك باب كبير يلج فيه ومنه الفسادفى قطاع التعدين والبترول فى مصر وهو اسلوب التعاقد مع الشركات الاجنبية على استخراج البترول وتعدين الخامات مثل الذهب فى منجم السكرى للذهب وغيره وهو التعاقد بنظام المساهمة فى الارباح profit sharing واسترداد التكاليف cost recovery- وهذه تسميات خادعة ظاهرها غير باطنها ولتوضيح ذلك للقارئ العادى نفترض أن شركة ما تعاقدت مع قطاع البترول أو التعدين على إستخراج البترول أو الغاز أو الذهب ، وأن هذه الشركة انتجت بترولا أو ذهبا قيمته مائة جنيه ، فانها سوف تدون – بالفساد – تكاليف هذا الانتاج قدرة تسعة وتسعون جنيها ، فيكون الربح هو جنيها واحدا ، تقتسمه مع الدولة ، ثم تنشر فى وسائل الأعلام إنها اقتسمت أرباح ما انتجته من البترول أو الذهب ، أو تأتى بمكاتب محاسبة عالمية ( سيئة السمعة ) تجعل هذه الشركة خاسرة ( وهذا هو أمر يعرفه أى محاسب مبتدى ) وأما موضوع استرداد التكاليف فهو أسوأ من ذلك لأن الشركة أو المستثمر هو الذى يحدد حجم التكاليف ، وحجم الانتاج دون مشاركة أحد أو بمشاركة صورية من قطاع التعدين والبترول . وعلى هذا الأساس فان قطاع التعدين والبترول ( كلاهما يتبع وزارة البترول ) فى مصر هو عبء على الدولة ولا يضيف إلى الاقتصاد المصرى شيئا بل يخصم منه ، ولاغرابة فى ذلك فالفساد قد ضرب فى مقتل كل مؤساسات الدولة خلال الأربعة عقود الماضية . ومن هذا المنطلق فأنا أؤيد الدكتور رمضان أبو العلا فى كل ما ذهب اليه فى مجال غاز البحر الأبيض المتوسط فى التقرير الذى نشرته صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 14/5/2014 – واطلب الغاء قانون المناجم والمحاجر لسنة 1964 الآنف الذكر ومراجعه جميع تعاقدات قطاع البترول مع الشركات الاجنبية خلال العقود الأربعة الماضية – ولا أدرى ما هو موقف " قانون عبدالنور " كما اسماه الاستاذ صلاح منتصر فى عموده " مجرد رأى " فى الأهرام بتاريخ 29/4/2014 . من اقتراحى هذا .