خرج من مدينة بازل السويسرية ما يمكن وصفه بأنه قانون دولي مالي جديد لمنع تكرار أزمة البنوك وتحصينها وتحصين النظام المصرفي العالمي ضد مخاطر الإفلاس التي دفعت الاقتصاد العالمي منذ سنتين إلي الدخول في دائرة الكساد.. اجتماع بازل 3 وضع معايير تعتبر الأكثر صرامة وتشددا في تاريخ البنوك كما تعتبر بداية لعصر مالي ونقدي جديد لا يرحب إلا باللاعبين الكبار.. أما الصغار فعليهم ان يندمجوا معا لتكوين كيانات كبري أو البحث عن ساحة أخري للعب. وقد اتفق كبار أعضاء هيئات الإشراف علي البنوك ومحافظو البنوك المركزية في العالم علي قواعد أكثر صرامة سنت بشأن رأس المال الخاص الموجه لائتمانات القروض.. وعمل رؤساء البنوك المركزية وسلطات الرقابة المصرفية في 72 دولة من دول العالم الذين حضروا إلي بازل علي وضع حزمة اصلاحات واسعة المدي.. ترسخ قواعد صارمة لرأس المال البنكي الخاص وعمليات التصفية البنكية.. وتلزم قواعد اتفاقية »بازل 3« البنوك بتحصين أنفسها جيدا ضد الأزمات المالية في المستقبل وبالتغلب بمفردها علي الاضطرابات المالية التي من الممكن ان تتعرض لها دون مساعدة الحكومات ما أمكن.. وبموجب قرارات بازل سيتوجب علي المصارف زيادة الشريحة الأولي من رأس المال التي تشكل احتياطاتها »الصلبة« أي الجزء الأكثر مكانة من احتياطاتها المكونة من أسهم وأرباح من 2٪ في الوقت الحاضر إلي 5.4٪ من أصولها.. يضاف إلي ذلك تخصيص شريحة إضافية بمقدار 5.2٪ من رأس المال لمواجهة أزمات مقبلة محتملة وهو ما يرفع اجمالي الاحتياطي الصلب إلي 7٪.. كما سيتم زيادة نسبة الأصول الذاتية للمصاريف من 4٪ حاليا إلي 6٪.. ومن المفترض ان يبدأ العمل تدريجيا بهذه الإجراءات ابتداء من يناير 3102 وصولا إلي بداية العمل بها عام5102 وتنفيذها بشكل نهائي عام 9102.. هذه الحزمة من الإصلاحات التي ستشمل أيضا اعتماد مقاييس جديدة خاصة بالسيولة مازالت تستوجب الحصول علي موافقة قادة دول مجموعة العشرين التي تجتمع في نوفمبر القادم في العاصمة الكورية سيول.. ويهدف المشرفون علي البنوك بهذه الإجراءات إلي دفع البنوك للاحتفاظ بقدر أكبر من أموالها الخاصة وأن تتمتع بقوة أكبر في مواجهة الأزمات.. وكانت ألمانيا قد عرقلت في البداية حلا وسطا بين الأطراف المشاركة فيما يتعلق بتصفية أعباء المؤسسات الرسمية العامة والتي تبلغ المليارات.. ولم يكن اعتراض ألمانيا فقط علي السقف العالي لنسبة الأموال الخاصة وإنما يتعلق أساسا بكيفية دمج هذه الأموال معا.. وقد تباينت ردود الفعل بشأن هذه المعايير المالية الدولية الجديدة التي تجبر البنوك علي زيادة رؤوس أموالها.. فقد استقبلت الأسواق المالية هذه الأنباء بترحيب كبير وارتفعت أسهم العديد من البنوك في حين سجل اليورو ارتفاعا ملحوظا بعد شهور طويلة من التدهور والانحدار نتيجة أزمة ديون اليونان.. كما وصف رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه رئيس المجموعة التي وضعت هذه القواعد في مدينة بازل السويسرية ان الاتفاقات التي تم التوصل إليها والمعايير التي جرت صياغتها محورية لتعزيز معايير رأس المال العالمية.. وأن القواعد الجديدة تسهم في الاستقرار والنمو الماليين علي المدي الطويل وتؤدي إلي نمو كبير.. لكن رغم هذه الرؤية المتفائلة من الذين صاغوا هذه القواعد فإن عددا من المجموعات المصرفية تري ان هذه القواعد الجديدة سوف تفرض عليها تقليص اعتماداتها وأنها ربما تعرقل النمو الاقتصادي الذي بالكاد يحبو بعد عامين من الكساد.. مشيرين إلي ان القواعد الجديدة سوف ترفع مصاريف الإقراض وهو ما سيضع عبئا إضافيا علي المستثمرين.. ويري المراقبون ان القواعد الجديدة سوف تجعل البنوك أقل إدرارا للربح لكنها ستجعل النظام المصرفي برمته أكثر أمنا لأنه ستتوافر حماية أكبر ضد الإفلاس وبالتالي ستتمكن البنوك من تحمل المزيد من الصدمات دون أن تنهار. المشكلة الحقيقية تكمن في البنوك الصغيرة والتي يوجد عدد كبير منها في الدول النامية حيث سيكون علي هذه البنوك ذات رؤوس الأموال الضعيفة الدخول في عمليات اندماج ومشاركات وإعادة هيكلة مالية شاملة للتوافق مع المعايير الدولية الجديدة وتضع الاتفاقية البنوك الصغيرة أمام خيارين هما الاندماج أو زيادة رؤوس الأموال بشكل يتفق مع »بازل 3«.