كانت البنوك هي بؤرة العفن من الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم أواخر عام 8002 ومازال يعاني من آثارها حتي الآن.. كشفت الأزمة عن حجم الفساد في هذه البنوك التي تتلاعب بميزانياتها علي الورق وتبيع الديون مرة بعد مرة حتي تبدو علي الورق وكأنها تمتلك اموالاً كثيرة في حين انها ديون معدومة.. وكأنها تكافيء مديريها الذين يجيدون هذه الحيل الحسابية بمكافآت ضخمة وفي النهاية لم يتحمل خسائر الأزمة سوي المودعين الذين شاهدوا بنكاً عملاقاً بعد بنك آخر ينهار ويعلن افلاسه.. لهذا السبب ظهرت الحاجة الي وضع نظام دولي جديد ينظم عمل البنوك في مختلف دول العالم.. ولم يكن هناك افضل من سويسرا عاصمة البنوك لاستضافة مؤتمر دولي يضع قواعد هذا النظام. وتستقبل سويسرا خلال ايام في منتصف سبتمبر جهات رقابية من حول العالم في مهمة صعبة تهدف الي التوصل لاتفاق حول القواعد البنكية الجديدة التي تحول دون ازمة مالية اخري ويشارك في هذا الحدث كل من الولاياتالمتحدةوفرنساوألمانياواليابان وقد تؤثر المحصلة علي ربحية وانتاجية اكبر بنوك العالم.. ومن المقرر ان يضع المفاوضون معظم تفاصيل النظام الجديد بحلول الاجتماع المقرر في مدينة بازل السويسرية لتسليم مشروع او لائحة يستطيع زعماء مجموعة العشرين مباركتها في القمة المقررة في كوريا الجنوبية في نوفمبر المقبل. وتركز المفاوضات التي تستضيفها مدينة بازل علي ما هو مقدار رأس المال الذي يجب علي البنوك الاحتفاظ به لامتصاص الخسائر اذا ما ساءت الأمور بقروض او استثمارات اخري؟ ورأس المال للبنك يشبه حساب المدخرات لدي الاسرة.. انه المال الذي تستطيع الاسرة ان تستخدمه لدفع الفواتير.. ويري المراقبون ان الازمة المالية في الاحتياطي لحمايتها.. ولكن تحديد المستوي المناسب لرأس المال ليس بالمهمة السهلة نظراً لبنية البنوك واتباعها قواعد الجهات الرقابية الداخلية رغم عمل هذه البنوك علي الصعيد العالمي. يتمثل اذن جزء من المشكلة في وجود معايير مختلفة في البلدان المختلفة تهدف الي اعطاء ميزة تنافسية للبنوك من البلدان التي تكون معاييرها المالية أقل.. لأن هذه البنوك تمتلك أموالا أكثر لاقراضها.. ولا يتوقع المسئولون في لجنة بازل للاشراف علي البنوك ان يتبني كل بلد المعيار نفسه بالضبط.. ولكن الاجتماع يسعي الي ان توفق الدول ما تتبناه من قواعد اي تطبقها بشكل لا يعطي ميزة لفئة معينة من البنوك علي أخري.. وقد يبدو ذلك سهلاً من الناحية النظرية لكن فرنسا عارضت الطريقة التي ارادت بها الولاياتالمتحدة صياغة هذه القواعد.. وعارضتها ايضاً ألمانيا.. واعربت اليابان والدنمارك عن عدد من التحفظات والهواجس.. في الوقت الذي اعربت استراليا وكندا اللذان خرجت قطاعاتهما المصرفية من الازمة المالية سليمة نسبياً عن القلق من اخضاع مؤسساتهم لقواعد جديدة لم تختبر والهدف الأساسي منها معالجة مشاكل في أوروبا والولاياتالمتحدة. واتضحت صعوبة هذه المهمة في ديسمبر الماضي عندما اصدر مسئولون في اجتماع اوروبي مقترح مطول بقواعد جديدة أغضبت منها الكل تقريباً.. وعرفت باسم مقترحات بازل 3 وكانت هذه القواعد المقترحة سترفع رأس مال جميع البنوك وتفرض زيادة في نوعية وكمية هذه الاموال.. الامر الذي يثقل علي البنوك لأن هذه الاموال ستبقي في الميزانية العمومية للبنك ولا يمكن استثمارها وتحقيق الارباح منها.. وحذر وقتها رجال البنوك من ان الاجبار علي زيادة رأس مال البنوك سيضعف النمو الاقتصادي. اما سويسرا التي يعنيها ما سيصدر عن هذا الاجتماع في المقام الأول فإنها تؤيد فرض ضرائب اضافية علي البنوك ويقول نائب رئيس البنك المركزي السويسري توماس جوردن انه يجب علي البنوك الكبيرة والمهمة ان تدفع ضريبة اضافية علي رأس المال حتي لا يلحق تعثرها ضررا كبيرا باستقرار النظام المالي.. واضاف جوردن في منتدي عن اللوائح المالية خلال الاجتماع السنوي للرابطة المالية الأوروبية ان المؤسسات المهمة من الناحية التنظيمية يجب ان تدفع ضريبة اضافية علي رأس المال.. وقال ان البنك الوطني السويسري يعارض القيود التي يسعي البعض الي فرضها علي الميزانيات العمومية للبنوك.. كما ان اي قواعد جديدة يتم التوصل اليها تحتاج الي وقت كاف لاستيعابها وتنفيذها. وتتطلع الجهات المنظمة لعمل البنوك في انحاء العالم الي وسائل لتجنب تكرار الظروف التي تسببت في إنهيار بنك كبير مثل ليمان براذرز في سبتمبر 8002 الامر الذي دفع النظام المالي العالمي الي حافة الانهيار وتسبب في سلسلة من برامج انقاذ البنوك التي تحملها دافعو الضرائب.