يناقش الكتاب شخصية مصر الإقليمية الناتجة عن مكانها الجغرافي علي الخريطة وتميز البيئة المصرية، وكيف كان لتميز الموقع أثر علي وضع مصر الثقافي والسياسي وتطورها الاجتماعي، والعلاقة بين الإنسان المصري والطبيعة والنيل، وكيف صاغت تلك العلاقة الحضارة المصرية. كان الدكتور جمال حمدان »رحمة الله عليه« جغرافيا بليغا، يصيغ العبارات بفن وعمق رائعين، حيث استخدم الأدب في عباراته، وابتكر كلمات جديدة أضافها إلي العربية مثل كلمة اللاندسكيب، وغيرها، فجعل من الجغرافيا مادة ممتعة، وأظهر فلسفتها بشكل واضح في جل أعماله العلمية. يقول الدكتور جمال حمدان في موسوعته (شخصية مصر) واصفا موقع مصر الجغرافي: »الموقع رأسمال طبيعي وسياسي دفين، ومورد أصيل من موارد الثروة القومية«. ويقول أيضا في وصف الموقع: »إن قوة جاذبية الموقع وعظمة الموضع كانتا المغناطيس الجاذب للطامعين من كل صوب وحدب، فكانت مصر الدولة الأكثر احتلالا والمستعمرة الأكثف استعمارا علي مر التاريخ«. ويقول واصفا قيمة برزخ السويس »قناة السويس حاليا«: »ولئن كان برزخ السويس قمة عبقرية موقع مصر جغرافيا، فإنه كان نقمة مصر تاريخيا، حيث صنع معظم تاريخها الاقتصادي والسياسي معا«. ويكتب عن قناة السويس: »فقد جاءت قناة السويس في العصر الحديث أكبر عملية اختزال في جغرافية الملاحة البحرية العالمية، وأعادت توجيه القارات واختزلت قارة بأكملها »افريقيا« وأعادت توقيع مصر في قلب العالم لتكون مركز الدنيا بأسرها، وصارت شريان الملاحة البحرية العالمية بلا منازع وغدت مركز الثقل في حركة العالم البحرية، ومنحت مصر نافذة أطلت منها علي العالم«. وعن قصة الصراع بين المصري والنيل بعد بناء السد العالي وصف النيل بأنه: »أصبح له عقل وله ضمير، فالنهر الذي طالما تحكم في رقابنا، قد تحكمنا أخيرا في رقبته«.. وقال عن السد العالي أنه »صنع جغرافية جديدة لمصر«، وأنه »جراحة جغرافية من أدق وأشق الجراحات التي أجراها الانسان علي وجه الأرض«.. وعقد مقارنة بين خزان أسوان والسد العالي، وصف فيها الخزان بأنه صهريج مياه) أما السد العالي فهو (بنك مياه)، وهو قصر من أعظم قصور الماء«. ويقول جمال حمدان في الاقتصاد: »ليس هناك استقلال سياسي بدون استقلال اقتصادي«. ومن كلماته حول الزراعة المصرية: »تاريخ الزراعة المصرية حرب دائمة ضد الملح والرمل«. وهذه حقيقة جغرافية تلخص ببلاغة طبيعة زراعة الري في واحة صحراوية مدارية. وأطلق الدكتور حمدان شعارا للحفاظ علي الأراضي المصرية الخصبة من العمران الذي يزحف عاما بعد آخر عليها، طالب فيه بأن يكون »الطين للزراعة والرمل للعمران« وهو يقصد بالطين هنا (الوادي والدلتا) وبالرمل »الصحاري المصرية«. ومن هنا تأتي أهمية كتاب شخصية مصر باعتباره أحد الكتب المرجعية المهمة لتاريخنا ونحن علي ابواب بناء نهضة جديدة في كل مناحي حياتنا.