القانون أصبح في قفص الاتهام! مئات القوانين والتشريعات يتم إعدادها حسب رغبات وأهواء أصحاب النفوذ.. أو الجالسين علي مقاعد السلطة!. الظاهرة مستمرة علي يد ترزية متخصصين أجادوا تفصيل القوانين وصناعة نصوصها وثغراتها.. يقدمون خدماتهم التي تحقق طموحات ومطالب من يملكون الأمور.. مثلما حدث في عقود الخصخصة.. والغاز.. وبيع أراض الدولة.. ثم انتخابات البرلمان وغيرها!.. الطعن بالالغاء.. وعدم الدستورية يتصيد بعضها.. ويترك غيرها.. والنتيجة انهيار في منظومة القانون والعدالة!! تطويع القانون مستمر منذ سنوات طويلة.. والكلام للدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض القاضي السابق بالمحكمة الجنائية الدولية وعضو المجلس القومي لحقوق الانسان.. لكن ما اعتبره صدمة للعدالة هو تلك التعديلات الدستورية التي اجريت بعد الثورة.. وقلبت الأوضاع.. وخربت مسيرة الديمقراطية عندما قررت انتخاب برلمان قبل وضع دستور الدولة بالمخالفة لكل الاعراف القانونية.. وهذا ما أوصلنا إلي المساويء الحالية وما ترتب عليها من نتائج مؤلمة للجميع. الصدام بين المؤسسات ويضيف: ان ترزية القانون اثبتوا انهم أكثر خبثا ودهاء لانهم حققوا أبعادا خطيرة لم يفطن إليها الثوار. ومن خلال ابحاث مهمة اعدتها الأممالمتحدة عن مسيرة الثورات في العالم.. وجدت انه لا يجب اجراء أي انتخابات.. أو تشكيل مجالس نيابية أو رئاسية بعد أي ثورة.. لان القائمين بالثورات لا يمكنهم ان يكونوا جاهزين أو مستعدين لتنظيم صفوفهم ويحتاجون إلي ما لا يقل عن 81 شهرا لذلك والتجربة في اوروبا الشرقية اثبتت بعد ثورات دولها ان الانتخابات المتسرعة جاءت إليهم بفلول العهود القديمة الأكثر خبرة وتجربة واستعدادا. ان هذا ما حدث في مصر حيث غاب الثوار ودخل الاخوان البرلمان وبعدم خبرة سياسية تنازعوا مع السلطة التنفيذية.. ومع السلطة القضائية.. وهذا الصدام بين المؤسسات اخطر ما يمكن علي مسيرة الثورة.. ويفقد الشعب الثقة في كل الاطراف. اضف إلي ذلك ان الانتخابات الرئاسية جاءت بمرشح سانده فلول النظام السابق.. فانقسم المواطن بين مؤيد ومعارض وارتبك المشهد السياسي.. وانقلبت الموازين. ويكمل الدكتور فؤاد عبدالمنعم كلامه ان الاعلان الدستوري الاخير الذي صممه ترزية القانون وهو اصلا مترتب علي الاعلان الاول.. اعطي للمجلس العسكري سلطات وامتيازات جعلته يتوغل علي باقي السلطات بما فيها الرئيس القادم.. وأصبح بمثابة دولة داخل الدولة مثل نظام مبارك.. فهو صاحب قرار الحرب.. وإصدار التشريعات ثم الرقابة علي الحكومة.. الأمر يحتاج الي تشكيل لجنة من أساطين القانون والفقهاء.. والمدافعين عن حقوق الانسان وممثلي الثوار والقوي الوطنية لوضع دستور جديد يحدد سلطات رئيس الجمهورية وفقا للاعراف الدولية.. ويضع اطارا ينظم ويحدد سلطات مؤسسات الدولة وفقا لتوازن يمنع توغل اي منها علي الاخري.. وينص بوضوح علي حماية حقوق وحريات الافراد والاقليات ويحقق تكافؤ الفرص ويدعم مبدأ المواطنة.. واقول الدستور أولا لمنع فوضي استمرار انتهاك القانون. قوانين سيئة السمعة القانون تم ذبحه منذ عام 1954 كما يقول المستشار احمد مكي النائب الاسبق لرئيس محكمة النقض وذلك حينما تم ضرب المستشار والعالم القانوني السنهوري في مقر العدالة بمجلس الدولة بايعاز من ضباط الثورة فتحول القانون من اداة لحماية حقوق المواطنين وحريتهم الي سيف في يد السلطان لحماية ارادتها وتحقيق مطالبها فقط. السلطة الحاكمة تعتقد انها الاقدر علي معرفة وتحديد مطالب الشعب ولهذا تأتي بخبراء لصياغة وترجمة اوامرها الي نصوص قانونية تسلب حقوقهم وتقيد مصالحهم وعندنا امثلة في قوانين الطوارئ والحراسات وتقييد الاحزاب والانشطة السياسية وقضاء استثنائي وكلها قوانين سيئة السمعة والنية والقصد وانحراف من حماية الحقوق والحريات الي حماية رغبة السلطان في البقاء والوجود الابدي. ويضيف المستشار مكي انه من خلال تطويع القانون ثم القضاء علي باقي المؤسسات بما فيها القضائية لتصبح اداة تستعمل ايضا في الظلم والدلائل كثيرة آخرها ما اصدرته المحكمة الدستورية بحل البرلمان وهذا لا يجوز من مبدأ الفصل بين السلطات او باجراء استفتاء علي البطلان. يكمل كلامه.. الاعتداء علي القانون وصل به الي حد تغول السلطات القضائية فمثلا القضاء العسكري بالقانون 25 لسنة 1966 لم يكن في اختصاصه سوي محاكمة العسكريين علي الجرائم الانضباطية الواقعة في حدود مقراته ومعسكراته اما الجرائم الاخري فكانت تذهب الي قضاء مدني حيث يحاكم العسكري مثل اي مواطن مدني. الان المدنيون انفسهم يحاكمون في محاكم عسكرية وهو نوع من التغول القضائي العسكري. نحن عدنا الي »نظام قاض عسكر« حيث يملك الحاكم خبراء صياغة للقانون وقاض ظالم واعلام قادر علي تزييف المعلومات والحقائق. ظاهرة لتغول السلطة في رأي السفير محمد رفاعة الطهطاوي الناشط السياسي.. ان ظاهرة تفصيل القوانين سوف تستمر طالما كانت السلطة في يد طرف واحد غير منتخب.. ولا يتم مساءلته قانونيا ولا رقابيا. ومادام هناك من يملك سلطة فرض ارادته منفردا.. سنجد المتطوعين لصياغة القوانين بما يتناسب مع الطغاة والمستبدين.. وفي تاريخنا الحديث.. وفي اوائل ثورة يوليو 2591 وبسبب العداء لحزب الوفد وغيره قام جهابذة القانون في ذلك الوقت بصياغة تشريعات مكنت الضباط الاحرار من البطش والسيطرة.. وبعدها انقلبوا عليهم وذبحوا القضاة! ويضيف: الظاهرة مستمرة.. ولكن مع الفارق.. انه في الماضي كانت السلطة تسن القوانين كما تريد لان الشعب كان غائبا عن الوعي.. اما الان فهو موجود وفعال في المعادلة السياسية ولا يمكن ان يتجاهل أو يلتزم الصمت فيما يضر بمصالحه وثورته واحلامه. ويبدي السفير محمد رفاعة تعجبه من تلك القوانين الأخيرة التي أعطت الضبطية القضائية استنادا الي نص قانوني ضعيف.. ويتساءل عن مغزي نص جاء في الاعلان الدستوري الاخير يشير الي »المجلس العسكري بتشكيله الحالي« والقاعدة القانونية المجردة تقتضي ان تكون »المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. وليس بعبارة تشكيله الحالي.. فهذا يدعو للاندهاش« والتساؤل. ويؤكد ان الشعب استيقظ.. ولن تنجح محاولات تكميمه بنصوص قانونية غير ديمقراطية.. أو قهر ارادته بالقوة.. لانه قرر ان ينتزع حريته.. ولذا اتخوف من الاصرار علي احتكار السلطة ومواجهتها بمعارضة شعبية تنذر بمواجهة لا يعلم احد مداها. اطالب المجلس العسكري ان يتخلي عن رغبته في احتكار السلطة.. ويقبل بمشاركة حقيقية تسمح بالانتقال الديمقراطي.. تجنبا لصدام مخيف اذا تصور انه يستطيع مواجهة ثورة الغضب وقمعها بالقوة. تسييس أحكام القضاء المستشار محمود الخضيري الرئيس الاسبق لنادي قضاة الاسكندرية.. ورئيس اللجنة التشريعية لمجلس الشعب يقول ان الاصل في القانون انه قاعدة تشريعية مجردة وعامة.. وهدفها تحقيق العدالة.. ومصلحة المواطنين جميعا. لكن كل حاكم يريد صياغة القانون بطريقة خاصة تساعده علي تنفيذ سياساته.. وتلبية آماله وطموحاته واغراضه ومصالحه الخاصة.. لذلك رأينا علي مدي سنوات قوانين سيئة السمعة تتعارض مع المصالح الشعبية، وتحقق مزايا ومنافع علي حساب المصلحة العامة.. وللاسف ساهم في استمرارها وجود برلمانات تستجيب وتحقق تلك المصالح والاغراض.. وكان في نهاية الأمر يطعن علي تلك القوانين بالبطلان وعدم الدستورية. ويضيف المستشار الخضيري ان البرلمان في دورته القصيرة أقر مجموعة قوانين كلها تحقق الصالح العام.. عدا قانون العزل السياسي الذي طعن عليه بعدم الدستورية.. لاسباب سياسية.. وكان هدفنا من اصداره هو منع الفاسدين من اقتحام الحياة السياسية وعودة الفساد السياسي مرة اخري. ولاننا بعد الثورة نريد وقف فوضي تفصيل القانون اطالب المجلس العسكري الغاء المراسيم والاعلانات الدستورية المكملة لانها اساءت لمسيرة العدالة والديمقراطية. وأري استكمال ذلك بالعدول عن حل البرلمان لانه جاء بارادة شعبية.. وكلف ميزانية الدولة اكثر من 2 مليار جنيه.. وهي أموال شعب مصر من دافعي الضرائب. وفي تقديري ان المحكمة الدستورية خضعت لتوجهات سياسية.. وهو بمثابة حكم مسيس.. لان البطلان كان علي الثلث من مقاعد البرلمان وعندما جري البطلان في سنوات سابقة أيام مبارك اعقبه استفتاء من الشعب. التدخل السياسي في الشأن القضائي نراه الان في اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.. حيث تريد العبث مع النتائج.. باثارة كلام علي الطعون.. وهو كلام غريب لان النتائج تمت بتوقيع القضاة رؤساء اللجان الانتخابية ومعهم مندوب المرشحين.. فكيف تتكلم اللجنة عن طعون عليها؟! ترزية القانون وتسييس القضاء حلوا البرلمان المنتخب لتهيئة الاوضاع للرئيس القادم.. الذين يحاولون تمرير انتخابه! سياسة زرع الألغام في قول مأثور لأحد قضاة العصور القديمة »أخاف علي أمتي من كل منافق عليم اللسان يتكلم بالقانون«.. فهو الخطر الاكبر كما يقول المستشار احمد سيف الاسلام البنا الأمين العام الاسبق لنقابة المحامين.. وعضو مجلس شوري الاخوان المسلمين.. فحاشية السلطان حملة المباخر ارسوا فن تصنيع وتفصيل القوانين بما يحقق مطالب السلطة وهو ما استمر حتي الآن. الاخطر كما يقول حدث في اختراق القضاء وتسييس احكامه عن طريق مجموعات لها مصالح خاصة حيث وضعت الدولة خطة مدبرة عندما تصدي القضاة في عام 9691 لاعمال السلطة والتدخل في شئونهم.. وجري بعدها مذبحة القضاة وتم التخلص من أقوي وأفضل مستشاريه وقضاته الوطنيين. ويضيف المستشار البنا ان الاختراق تم من خلال ثلاث خطط اولها تغيير نظام تعيين القضاة الجدد.. من اوائل الجامعات خريجي الحقوق أصحاب أعلي الدرجات.. الي نظام انتقائي يعتمد علي اللقاء الشخصي.. واهمال أصحاب الامتياز وقبول الدرجات الاقل كالمقبول. ثانيها السماح بنقل ضباط الشرطة الي النيابة العامة.. وهذا اخل بتركيبة القاضي المبنية علي الحياد والصرامة والابتعاد عن مواطن الشبهات.. لان الشرطة تعتمد علي الطاعة وتنفيذ تعليمات القيادات. ثالثها.. السماح بانتداب القضاة الي وظائف تنفيذية.. وأعمال لها صفة تجارية كالمصفي القضائي في اعمال المزادات وتصفية الأعمال.. وفيها يحصل القاضي علي عمولة 5٪ وغيرها. لقد أفسدوا في القضاء علي مدي عشرون عاما.. وإن كانت الاغلبية لم تتأثر.. لكن القضاء عموما أصبح بمثابة شماعة تعلق عليها الدولة اخطائها المتوالية.. الظاهرة واضحة الآن في القوانين التي تم وضعها بنظام تفخيخ الأرض وزرع الالغام فيها.. ليتم تفجيرها وقتما تشاء السلطة مثلما حدث في قانون الانتخابات والعزل السياسي. الحل الآن في الدستور.. وان تصبح السلطة القضائية مستقلة تماما.