ترزية القوانين حدث ما توقعه عديد من السياسيين والقانونيين، وامتنعت المحكمة الدستورية العليا عن النظر أو إبداء الرأي في القانون الذي وافق عليه مجلس الشعب في 12 أبريل الحالي بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1952 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، وهو التعديل الذي استهدف منع «اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق» تحديدا من خوض انتخابات رئاسة الجمهورية وعرف إعلاميا بقانون «العزل السياسي»، والذين توقعوا امتناع المحكمة عن نظر طلب المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإبداء الرأي في مدي دستورية القانون لم يرجموا بالغيب و«يفتحوا المندل» بل قاموا بقراءة قانون المحكمة الدستورية العليا والذي يحدد اختصاصها في النظر في الطعون علي قانون صدر بالفعل وتم التصديق عليه ونشره في الجريدة الرسمية وأصبح نافذا، ولا يسمح لها بما يسمي بالرقابة القبلية، أي الرقابة علي مشاريع القوانين قبل صدورها، كما نظروا في الإعلان الدستوري وفي الفقرة الخامسة من المادة 28 من الإعلان تحديدا، والتي منحت المحكمة الدستورية العليا - استثناء من قانونها - حق الرقابة القضائية المسبقة علي مشروع القانون المنظم للانتخابات الرئاسية. ويثير هذا القرار من المحكمة الدستورية العليا وأسبابه قضية مهمة تتعلق بتوالي إصدار المجلس الأعلي للقوات المسلحة منذ توليه سلطة التشريع والسلطة التنفيذية في 11 فبراير 2011 لقوانين وقرارات تتعارض مع الدستور «الإعلان الدستوري»، بل وجود تناقضات واضحة وتعارض بين مواد الإعلان الدستوري نفسه. ولا يفترض في المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يكون أعضاؤه خبراء قانونيين أو دستوريين، ولكن مسئوليتهم أن يختاروا للمجلس مستشارين قانونيين ودستوريين أكفاء ومتخصصين ومخلصين، ويتجنبوا ترزية القوانين. وللأسف فمن الواضح أن القانونيين الذين يعتمد المجلس عليهم يفتقرون للتخصص والكفاءة علي الأقل، وهو ما قادهم إلي سلسلة متوالية من الأخطاء. أول هذه الأخطاء بعد تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة البلاد في 11 فبراير 2011 مباشرة، عندما شكلوا لجنة لتعديل عدد محدود من مواد دستور 1971، فلا يجوز إدخال تعديل علي شيء غير موجود، فدستور 1971 سقط وأصبح معدوما بتولي المجلس للسلطتين التشريعية والتنفيذية بالمخالفة للدستور، ومع ذلك تم تعديل 9 مواد من الدستور المعدوم والاستفتاء عليها في 19 مارس 2011 وإعلان الموافقة عليها في الاستفتاء يوم 20 مارس! ولم تمض أكثر من عشرة أيام حتي أعلن المجلس إسقاط دستور 1971 وإصدار إعلان دستوري يوم 30 مارس 2011 بدلا منه ينظم الاختصاصات والعلاقات بين السلطات المختلفة خلال الفترة الانتقالية، وحمل الإعلان العديد من الأخطاء والخطايا أبرزها التناقض الواضح بين الفقرة الثالثة من المادة 28 التي تقول «وتكون قرارات اللجنة «لجنة الانتخابية الرئاسية» نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء، كما تفصل اللجنة في اختصاصها، ويحدد القانون الاختصاصات الأخري للجنة»، والمادة 21 التي تنص علي أن «التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلي قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات التقاضي من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين علي تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء». الخطأ الثالث يتمثل في المادة 60 التي عهدت بتشكيل «الجمعية التأسيسية» لصياغة الدستور للسلطة التشريعية «الأعضاء المنتخبين من مجلسي الشعب والشوري» متجاهلين أن صياغة الدستور تتطلب توافق كل مكونات المجتمع ولا يمكن صياغته بالأغلبية والأقلية المتغيرة بطبيعتها ويستحيل أن تقوم إحدي السلطات بصياغة الدستور، إضافة إلي وجود حكم سابق للمحكمة الدستورية العليا قاطع في هذا الشأن، قالت المحكمة في حكمها في القضية رقم 13 لسنة 15 قضائية في 17 ديسمبر 1994 «.. فإن الوثيقة الدستورية تنشئ سلطات الدولة بما فيها مجلس الشعب والحكومة والقضاء وتقرر مسئوليتها والقواعد التي تحكمها.. وبالتالي يكون من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه يجب أن تعلو الجهة التأسيسية التي تضع الدستور دوما علي جميع سلطات الدولة.. وتنفصل وتستقل عنها حتي تفرض عليها القيود التي وضعتها فيما يتعلق بممارسة سلطاتها.. وتراعي سلطات الدولة القواعد التي صاغتها هذه الجهة وأفرغتها في الوثيقة الدستورية ولا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا وفق الأشكال والأنماط التي حددتها». إضافة إلي أن عدم الوضوح والالتباس في صياغة المادة 60 أدي إلي تشكيل معيب للجمعية التأسيسية، حكمت محكمة القضاء الإداري في 10 أبريل الحالي ببطلانه ووقف تنفيذ قرار الاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري بتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور من 100 عضو وحل هذا التشكيل، ومازال الخلاف مستمرا حول كيفية تشكيل الجمعية! الخطأ الرابع، إصدار قانون لانتخابات مجلس الشعب يجمع بين نظام الانتخابات بالمقاعد الفردية ونظام الانتخابات بالقائمة النسبية الحزبية المشروطة ويميز المنتمين للأحزاب السياسية علي حساب غير المنتمين للأحزاب «المستقلون»، وهو ما أدي إلي الطعن علي القانون بعدم الدستورية ورأت المحكمة أن الطعن جدي ومنتج وأحالت الموضوع للمحكمة الدستورية والتي ستحكم علي الأرجح بعدم دستورية هذه المواد في القانون استنادا إلي حكم سابق لها في قضية مماثلة، وبالتالي بطلان انتخابات مجلسي الشعب والشوري وحلهما. ومن حقنا أن نطالب المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالكشف عن أسماء وصفات مستشاريه القانونيين الذين ورطوه في هذا الكم من الأخطاء واستبدالهم، فحتي الآن لا نعرف يقينا إلا عضو المجلس «اللواء ممدوح شاهين» مساعد وزير الدفاع للشئون الدستورية والقانونية، ومع كامل الاحترام له، فلا أظن أن للسيد اللواء أي علاقة بالشئون الدستورية فخبرته تنحصر في القضاء العسكري ومخالفات الضباط والجنود لقانونهم، كما نعرف كذلك أعضاء لجنة التعديلات الدستورية ولم يكن بينهم من له علاقة بالفقه الدستوري فأغلبهم إن لم يكونوا جميعا ينتمون لسلك القضاء الإداري. ولا تعرف هل مازال المجلس الأعلي للقوات المسلحة يلجأ لاستشارتهم أم انتهت العلاقة مع الاستفتاء علي التعديلات. باختصار مطلوب إنقاذنا من ترزية القوانين، واللجوء لاستشارة أهل الاختصاص والأحزاب والقوي السياسية قبل أي قرار أو قانون يعتزم المجلس الأعلي للقوات المسلحة إصداره.. فلا خاب من استشار.