نتانياهو يقولون إن المصالح تتصالح. ويقولون أيضاً إن الشيطان يكمن في التفاصيل. فهل يغلب شيطان التفاصيل علي تفاهمات تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب ويفسد المصالحة بينهما؟ يوم الأربعاء الماضي قام رئيس الموساد الجديد يوسي كوهين بزيارة لسويسرا التقي فيها سراً بمدير عام وزارة الخارجية التركي، وتوصل معه إلي عدد من التفاهمات المفضية إلي ترتيب العلاقات التي توترت منذ اقتحام القوات الإسرائيلية للسفينة التركية مرمرة. حكمت التفاهمات خمسة عناوين رئيسية هي: تعويضات اسرائيل لضحايا السفينة مرمرة التركية، سحب تركيا كل الدعاوي المقامة ضد اسرائيل، عودة سفيري البلدين، عدم سماح تركيا لعضو حركة حماس صلاح عروري بدخول أراضيها ولا باستئناف نشاطه هناك. بدء مناقشات بيع الغاز الإسرائيلي لتركيا قريباً، وإقامة خط لتصدير الغاز الإسرائيلي. الجدير بالذكر ان هذه التفاهمات غير محسومة وتنتظر التوقيع النهائي عليها. مع ذلك سارع الجانبان بالإعلان عنها قبل مناقشة تفاصيلها، فقد وجدت القيادات في كلا البلدين ضالتها في هذا التقارب، لخدمة مصالحها الخاصة. تركيا من جانبها تري ان اللحظة الراهنة تمثل فرصة نادرة لإنهاء الخصومة مع اسرائيل وفتح صفحة جديدة في العلاقات معها.. وفي الأسبوع الماضي أطلق الرئيس التركي تعبيرات تصالحية من قبيل ان «تطبيع العلاقات مع اسرائيل سيفيد الشرق الأوسط» (!) لكنه أشار إلي ان ذلك مرهون بالتعويض عن حادث مرمرة ورفع الحظر الإسرائيلي عن غزة». يبدو ان إردوغان كان مضطراً لتبرير تراجعه عن دعم حماس والتعويض عنه بالحديث عن رفع الحصار البحري عن غزة لعدم اتهامه بالتخلي عن الفلسطينيين. في المقابل علقت مصادر اسرائيلية علي تصريحات إردوغان بأن الكرة في الملعب التركي: «لقد قدمنا الاعتذار ومستعدون لدفع الأموال وليس هناك حصار علي غزة»!. لم تحسم بالدخول في التفاصيل يتضح أن ملف التعويضات التي ستدفعها اسرائيل لم يغلق بعد، ومازالت الخلافات حول حجم هذه التعويضات قائماً وبينما تطالب أنقرة بمليون دولارعن كل قتيل في حادث مرمرة، تساوم تل أبيب علي مائة ألف دولار عن «الرأس» الواحدة بخلاف المصابين. في الماضي كانت هناك تفاهمات لم تنفذ اتفق فيها مندوبو نتانياهو علي دفع مبلغ يتراوح بين 20-21 مليون دولار. تقديرات الدوائر الإسرائيلية تشير إلي ان تركيا رغبت في تحسين العلاقات مع اسرائيل منذ نشوب أزمتها مع موسكو بعد إسقاط الطائرة الروسية، ودليل ذلك ان المفاوضات كانت تدور منذ خمسة أشهر لتحسين العلاقات لكن الوتيرة تسارعت مؤخراً فقط بعد الأزمة التركية مع روسيا. وتضيف التقديرات أن تركيا معنية بالتوقيع علي صفقة شراء الغاز الإسرائيلي، تحسباً لتجميد الأخيرة لإمدادات الغاز التي تصل إلي مابين ثلث ونصف احتياجات تركيا، الصفقة تشمل إقامة خط غاز يبدأ من احتياطيات الغاز الموجودة قبالة اسرائيل إلي تركيا ومنها إلي دول البلقان. هنا التقت المصلحة التركية مع المصلحة الإسرائيلية التي تكمن في ايجاد سوق بديل بتركيا يعوضها عن الفقدان المحتمل لأسواق مصر والأردن بعد أن جمدت العاصمتان مفاوضات استيراد الغاز الإسرائيلي. كما ان نتانياهو سيستفيد باتفاق الغاز مع تركيا أمام المحكمة العليا الإسرائيلية لإثبات توفر شرطي البعد الأمني والسياسي في اتفاق الإطارالذي أبرمه مع شركات الغاز، إذ ستنظرالمحكمة قريباً في دعوي دحض الاتفاق التي أقامها معارضوه. إجراء احترازي علي الجانب الآخر من المتوسط كانت أنقرة قد استعدت لاحتمال حرمانها من الغاز الروسي بتوقيع اتفاق لاستيراد الغاز من قطر وإنشاء خط لهذا الغرض، لذلك فإن اتفاقها مع اسرائيل لن يشبع مصالحها تماماً إلا إذا أسبغت عليه قيمة مضافة لذلك تطالب بأن تصبح هي البوابة الوحيدة التي يمر منها الغاز الإسرائيلي إلي أوروبا. في تل أبيب تعالت اصوات التحذير من خطورة المطلب التركي. فعلي الرغم من تعطشهم للعثور علي منافذ لتصدير الغاز ويتمنون اقتحام الأسواق الأوروبية إلا أن مطلب تركيا يعني تحكمها في كل كميات تصدير الغاز الإسرائيلي لأوروبا أو معظمها علي الأقل ويعني أيضاً تحكمها في الجهات التي يصل لها الغاز الإسرائيلي. ولأن نتانياهو توصل مؤخراً إلي تفاهمات مقابلة مع كل من اليونان وقبرص لتتوليا توصيل الغاز الإسرائيلي لأوروبا وهما سوقان اكثر أماناً لإسرائيل من تركيا التي لا يمكن التنبوء بالخطوات التالية لرئيسها، كما انهما عضوين بالاتحاد الأوروربي أيضاً فإنه لا يمكن التضحية ببساطة بالتقارب الأخير معهما، كما لا يمكن التغافل عن العداء العميق الذي يحكم علاقة تركيا بقبرص واليونان، والذي ربما كان سبباً خفياً وراء الشرط التركي لمكايدتهما ومنافستهما علي التحكم في غاز اسرائيل. موضوع الغاز لن يقف حائلاً - من وجهة نظر اسرائيل - دون تطبيع العلاقات مع تركيا، وأنقرة تري ان تل ابيب لم تلبِّ شرطها الثالث برفع الحصار عن غزة. الأولي تنتظر لتري ماإذا كان إردوغان مستعداً للتنازل عن هذا الشرط.. والأيام وحدها ستثبت ما إذا كانت هذه المراوغات حقيقية أم مجرد ممحاكات لحفظ ماء وجه الطرفين. هالة العيسوي