لا وصاية لأحد علي الشعب.. لا يمكن أن ينصب أحد نفسه وصيا علي المصريين.. ولا يصح أن يفرض حزب أو تيار مهما كان موقفه أو رأيه علي 09 مليون مصري.. المارد انتفض في 52 يناير ولن يعود إلي القمقم مرة أخري.. لا بأمر رئيس جمهورية.. ولا رئيس حكومة أو برلمان.. ولا رئيس حزب أو تيار سياسي.. ولا زعيم جماعة أو فصيل أو طائفة.. الكلمة للشعب.. وصندوق الانتخابات هو الفيصل والحكم ولا طاعة إلا للقانون، مهما كانت القدرة لأحد علي امتلاك ناصية الكلام أو الاستيلاء علي عقول وقلوب الناس.. أو صهرته الخبرة وتمتع بالقبول والحكمة.. كل هؤلاء لا سلطان لهم علي أحد، غير أن يؤدوا دورهم ورسالتهم بأمانة وضمير، وقول كلمة الحق.. ويبدون رأيهم بالشرح الموثق بالتجربة والقانون.. ولكن تبقي في النهاية الكلمة الأولي والأخيرة للشعب.. ويظل صندوق الانتخابات المقياس الوحيد للقبول والرفض في أي نظام ديمقراطي، حسبما تقول النظريات السياسية وخبرات الدول التي سبقتنا في الديمقراطية منذ مئات السنين.. ونحن الأحوج اليوم للالتزام بهذا المعيار.. لأنها ديمقراطية وليدة تحتاج إلي »حضَّّانة« تحميها من العواصف السياسية والأهواء الشخصية ومصالح التيارات والأحزاب والزعامات الروحية التي خرجت من كل فج عميق. ساعات وتعلن نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية لأول مرة في تاريخ الشعب المصري.. وقد نخوض جولة أخري للإعادة.. وهو ما يبدو حتي كتابة هذه السطور المعني والرمز الكبير الذي عايشناه طوال الأيام الماضية أن القيمة فيها كانت تحقيق أحد مبادئ الثورة والحقيقة.. الحدث في حد ذاته بأجراء الانتخابات.. والبطل الحقيقي هو الشعب الذي هب لاسترداد إرادته، والانتصار لكرامته.. والأمل في تحقيق الدولة التي ينشدها وأسس نظامها القائم علي الحرية والعدل وسيادة القانون.. هذا الشعب البطل، لا يحق لأحد أن يسرق فرحته بدعوته للعودة إلي نقطة البداية.. إذا لم تأت نتائج الانتخابات حسبما يعتقد ويتمني بمن سوف يكون قدره اختيار الشعب له رئيسا لبلده.. استمعت وقرأت بعض الآراء ممن ينتسبون إلي ممارسة العمل السياسي، ويمتلكون الخبرة الأكاديمية، في تحليل منهم للنتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية.. قالوا إذا فاز أحد المرشحين ممن يطلق عليهم فلول، فلن يعترفوا بالنتائج ولن يقروا به رئيسا، وليكن ما يكون مهما كانت الفوضي والدماء التي تسيل.. بعض من أصحاب هذه الآراء يهربون من اتهام الشعب الذي اختار.. فلم يجدوا غير توجيه السهام للإعلام من فضائيات وصحافة بالترويج للنظام المخلوع وحمل المباخر لأسيادهم. وهي لهجة متناقضة في الحوار يبدو من كلامهم ان لهم ثأراً شخصيا مع النظام السابق.. وهو ادعاء بطولة، كان الثأر فيه للشعب المصري كله.. وإذا كان الإعلاميون حملة مباخر، فمن الأولي بهم ان تكون مباخرهم لمن يحكم اليوم أو يجلس علي مقاعد السلطة.. ولا ألوم الإعلاميين الذين يتركون الفرصة لمثل هذا الكلام دون مناقشة جادة مع ضيوفهم في البرامج التليفزيونية.. ولكن ليست هذه هي القضية.. فالحق للجميع في إبداء الرأي مهما كان فيه من شطط أو اتهام بغير دليل لمجرد الاختلاف في الموقف. وقدر الإعلاميين أمانة الكلمة وتحمل المسئولية في الشرح والتوضيح والتمسك بكل قواعد الديمقراطية وحرية الرأي مهما كان، حماية للرأي الآخر قبل أن يكون تعبيراً عن رأيهم الشخصي.
هنا.. نؤكد علي عدة نقاط أساسية: ان يرضي كل منا بنتيجة صندوق الانتخابات.. مهما كان معارضاً للفائز أو رافضاً لأفكاره وانتماءاته.. فهذه إرادة الشعب، ولا بديل عن التعبير عنها غير الصندوق. إن القانون هو الفيصل في الطعن علي أي مرشح للرئاسة.. ومادام قد وصل إلي المرحلة النهائية بطرح اسمه بين المرشحين للتصويت.. فإن الاعتراض عليه انقلاب علي مبدأ أساسي للثورة، بسيادة القانون والعدل بين الناس. إن أي عملية انتخابية من المتوقع أن تسودها بعض الأخطاء، بشأن الترتيبات العملية أو مخالفات المرشحين وأحزابهم للتأثير علي إرادة الناخبين، ولكن هناك فرقا بين الأخطاء وتعمد التزوير والتزييف.. ونحن نعذر من تحدث عن الافتراض المسبق بالتزوير لموروث عشناه عمرنا كله. وإذا تشكك أحد في نتيجة الانتخابات لحدوث تزوير أو أي سبب آخر فقد حدد القانون الطريق الذي نسلكه، بما في ذلك إعادة الانتخابات برمتها. طبيعة المجتمع المصري تتحكم في اختيارات جزء كبير من المواطنين.. بالولاء للعائلة والقبيلة أو العلاقات الشخصية لصداقات أو خدمات ومصالح.. أو الانتماء والولاء لتيار بعينه.. والاختيار لا يتم في أغلبه بناء علي الإرادة الشخصية للناخب طبقا لتقييم موضوعي للمرشح من حيث المواصفات والبرامج.. كثير من الناخبين اختاروا تنحية تأثير هذه الولاءات بصرف النظر ان كان المرشح فلولا أو ثوريا. قال أحد المواطنين كمثال لهذه الحال: إن المرشح الفلاني رجل تتوافر فيه كل الصفات التي أتمناها في رئيس الجمهورية، ولكن لن أعطيه صوتي لأنه كان في يوم ما رئيسي في العمل وعاقبني بجزاء خصم من راتبي، وأبنائي في حاجة لكل مليم.. هكذا يؤثر اختلاط قيم الاختيار والوضع الاقتصادي في رأي الناخب. إن أخطاء حدثت خلال الفترة الانتقالية بشأن تدرج ومراحل وتوقيت بناء مؤسسات الدولة الدستورية.. وكانت مثار جدل ونقاش.. مثلما الحال في استفتاء التعديلات الدستورية والمواد التي تضمنتها.. والموقف بالنسبة للدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأيهم أولا.. وكلها قضايا لها من المؤيدين والمعارضين. ومادمنا نحن علي وشك الانتهاء من هذه المرحلة، لا يصح أن يكون موقفنا من كل قضية تأييدا أو معارضة حسبما هو الأفضل للبعض ومحاولة فرض هذا الرأي، حتي لو عدنا إلي النقطة الأولي إذا اكتشفنا ان ما وافقنا عليه قبل ذلك نتج عنه ما نرفضه اليوم.. الديمقراطية لا تعرف الانتقائية، ولكن النزول علي رأي الأغلبية! الثورة ليست شماعة نعلق عليها ما أخطأنا في اتخاذه من إجراءات في الوقت الصحيح مادامت الأمور تسير علي هوانا.. ثم نعترض عندما نفيق أو تتعارض مع مصالحنا.. فيكون الحل إجراء استثنائياً أو تفصيل قانون.. القرار الصحيح في التوقيت الخطأ كارثة.. ولا يجب دائما الاستناد في الخروج علي الشرعية وإرادة الشعب وسلطة القانون بأننا في ثورة.. لا لوم علي هؤلاء في المحاكمات الثورية والعزل السياسي أو غيرها من الإجراءات في حينها، وليس حسبما نواجه في أي وقت من مواقف وإجراءات لا تروق لنا أو لا تشفي غليل البعض. توجه الشعب إلي الانتخابات لاختيار رئيسه.. وكله أمل وشوق لبدء مرحلة جديدة من بناء الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار وتوفير مناخ واستكمال أهداف الثورة ومبادئها بإرساء القانون وبناء مؤسسات الدولة والنهوض بالبلد اقتصاديا واجتماعيا ومواجهة المشاكل الخانقة. وتصور البعض لأي شيء غير ذلك أيا كان الرئيس المنتخب هو دعوة للفوضي والانهيار، ويجب ألا يغيب عنا ما تتعرض له مصر من مؤامرات خارجية لإسقاطها أو استمرار ضعفها الداخلي والإقليمي.
الشعب قال كلمته.. وأرسي ديمقراطيته وتمتع بحريته.. في انتخابات لم يتوقع الكثيرون ان تتم بهذا الشكل المشرف.. وهذا السلوك الحضاري لشعب مصر.. وهو ما ليس بجديد عليه. دعاء إلي روح كل شهيد دفع حياته لنعيش هذا اليوم، وقُبْلَة علي رأس كل فرد من أسرته.. وآمل أن نكون جميعا علي المستوي من روح هذا الفداء والتضحية لشهداء ومصابي الثورة.. وروح الوطنية التي عهدناها في كل أزمة من كل المصريين.