بعد ثورة 52 يناير 1102، بدأ المصريون يشعرون بأن أثمن ما يدافعون عنه في الزمن الجديد، هو (كرامتهم)، تلك القيمة التي كان يدوس عليها النظام السابق، بلا رحمة، وكانت آلة إعلامه المزور، يطلي الاهانة، بطلاء كاذب من العزة، لكنه لا يخفي زيفه عن كل ذي بصيرة، ولم يكن شعور المصريين بعد الثورة بأهمية (الكرامة)، مقصورا علي شئون الوطن الداخلية، بل تعداه إلي كرامة المصريين في الخارج، وأضحي شعور المصري بكرامته، شديد الوضوح والقوة، ربما لأن هذه الثورة أعطت للمصري ثقة، في الذات وتقديرا لها، ثقة كانت منتقصة ومهانة علي عهد الرئيس المخلوع، الذي لم يكن يشغله كرامة (المصري) في الداخل أو الخارج، بل كان عامل انتقاص من هذه الكرامة بتواطؤ واضح مع حكومات نفطية، وأجنبية تفننت عبر أنظمة الاستعباد الحديثة مثل نظام (الكفيل) في اهانة المصري وإذلاله وهو يسعي في رزقه، ويبني حضارة وعمران تلك البلاد بعقله وسواعده واخلاصه، لقد كان المصري في عهد مبارك، وبإجماع تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والعالمية، مهانا في بلاده وخارجها، فما بالها لازالت قائمة بعد أن رحل رأس النظام؟! لقد كان متوقعا أن تقضي ثورة يناير علي ظاهرة إهانة المصريين في الخارج، ولكن ما جري كان علي النقيض من ذلك، لقد استمرت ممارسات بعض الحكومات العربية ضد العمالة المصرية، وتعمدها توجيه الاهانة لها بشكل دوري وكأن الأمر انتقام من أبناء مصر لأنهم ثاروا علي الكنز الاستراتيجي لتلك الدول وليس فقط إسرائيل (ونقصد به نظام الرئيس المخلوع) أو كأنها محاولة لحيلولة دون وصول رياح الثورة وربيعها إلي شواطئ تلك البلاد القاحلة، والفقيرة إلي الديمقراطية في ظل أنظمة حكم وراثية تهيمن علي الثروة والسلطة منذ عشرات السنين، إن ما تناقلته وسائل الإعلام وشاهدته أروقة السياسة خلال الأيام الماضية من أزمات سياسية وحقوقية متصلة اتصالا وثيقا بملف اهانة كرامة المصريين خارج بلادهم بعد ثورة يناير يحتاج إلي وضع بعض النقاط علي الحروف علها تفيد: أولا: ان محاولة بعض الحكومات العربية إثارة أزمات سياسية (مثل قطع العلاقات السياسية أو الاقتصادية أو الحملات الإعلامية الظالمة) بسبب ملف كرامة المصريين في بلادهم (وهو ملف ثابت بالأدلة والبراهين الدامغة حتي لو أنكره أتباعهم في بلادنا) لهو محاولة استباقية في تقديرنا لطمس حقيقة المهانة التي يتعرض لها آلاف المصريين في تلك البلاد، وهي بلاد أغلبها بلا نظام قانوني أو قضائي محترم، وبالتالي تلفيق الاتهامات أمر وارد جدا فلا نقابة للمحامين هناك ولا أجهزة نيابة مستقلة ولا فقه دستوري أو تشريعي حقيقي، وهذه بالمناسبة معلومات تعرفها جيدا منظمات حقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيون في جميع أنحاء العالم، لذلك فإن ما يقال عن اهانة كرامة المصريين في تلك البلاد، يمثل حقائق مؤكدة رغم القصف الإعلامي، ورغم تواطؤ الساسة المؤلفة قلوبهم بفعل سطوة البترودولار علي إرادتهم الوطنية. ثانيا : إلا أننا لا ينبغي أن ندين فقط حكومات أو مسئولي تلك البلاد التي تعتدي علي كرامة المصريين في الخارج والتي تجري بعد الاهانة لتثير أزمة سياسية مصداقا للمثل الشعبي المصري البليغ (ضربني وبكي وسبقني واشتكي) ينبغي بنفس القوة أن ندين وزارة الخارجية المصرية هنا في القاهرة وسفراءها في تلك البلاد الذين تقع علي عاتقهم المسئولية الأولي في الحفاظ علي كرامة وحقوق المصريين فتقاعسوا، بل وتحولوا إلي أداة مساعدة في اهانة المصريين من خلال تجاهل صرخاتهم وآلامهم من أنظمة العمل الجائرة في تلك البلاد القاحلة في عدلها وديمقراطيتها أو التصديق المستمر علي رواية ما تقوله حكومات تلك الدول عن ان (المصري المسكين) أو العامل أو الزائر لتلك البلاد هو السبب دائما في كل المشاكل، دون أن يتحققوا بأنفسهم ودون أن يترفعوا عن (الهدايا) التي يتلقونها من مسئولي تلك البلاد مكافأة لهم علي المشاركة في (وليمة) إهانة المصريين الذين يمثل الدفاع عنهم مسئوليتهم المباشرة. ان المصري بعد ثورة يناير 1102 اختلف عنها قبلها، وفي مقدمة قضايا الاختلاف، قضية الكرامة أو الاحساس بالعزة، وعلي حكومات وسفراء تلك البلاد التي تعتدي علي هذه الكرامة، وعلي وزارة خارجيتنا الكسولة والنائمة في العسل أن تدرك ذلك، وإذا لم يفعلوا جميعا، فلا يلومن أحد إلا نفسه عندما يضجر الناس ويثورون، قائلين مع الشعر الجميل: لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل فهل من مستمع في بلاد النفط ووزارة الخارجية ؟!