ما سبب قبول الوزير المصري بأنّ تأخذ الدراسات وحدها سنة كاملة، وهو يعلم جيدا أنّ الفترة المطلوبة لتوافق الدول الثلاثة حول نتائج هذه الدراسات قد تأخذ سنة أخري اجتمعت اللجنة الثلاثية لسد النهضة في أغسطس 2014بمدينة الخرطوم، واتفق وزراء الري في الدول الثلاثة علي خارطة طريق تمتد لستة شهور لاتمام دراسات السد وللوصول إلي توافق حول نتائجها. وصرح الوزير المصري بعد هذا الاجتماع بأن دراسات السد ستنتهي قبل نهاية فبراير 2015 أي قبل انتهاء أثيوبيا من اكتمال بناء المرحلة الأولي من السد والمتوقع في يوليو 2015، وأكد أنّه وقتها سوف نتفاوض مع أثيوبيا علي ايقاف السد عند هذه المرحلة وبسعة لا تتعدي 14.5 مليار متر مكعب. وتلي اجتماع الخرطوم اجتماع آخر في أثيوبيا في سبتمبر الماضي،والذي اقتصر علي زيارة جدليّة للوزير المصري لموقع السد الأثيوبي وأخذ صور تذكارية مع المسئولين الأثيوبيين. ثمّ في أكتوبر الماضي كان الاجتماع الثالث للجنة في القاهرة، وظهرت خلافات الدول الثلاثة حول معايير تقييم عروض المكاتب الاستشارية، حيث أصرت أثيوبيا والسودان علي اعطاء المكاتب الاستشارية فترة عام كامل لاستكمال دراسات السد، ورفضت مصرهذا الطلب وأصرت علي التمسك بخارطة الطريق وشهورها الستة.وتوقفت اجتماعات اللجنة الثلاثية لمدة ثلاثة شهور كاملة، ثمّ فجأة كان هناك اجتماع بين وزيري الري المصري والأثيوبي في نهاية يناير الماضي علي هامش اجتماع الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، واذ بالوزير المصري يعلن من هناك موافقة مصر علي مد فترة الدراسة لمدة عام كامل. حاجة غريبة جدا، طيب ليه احنا كنّا معترضين من أصله، وليه أوقفنا المباحثات ثلاثة شهور كاملة،وما الذي تغير لكي نقبل ما رفضناه منذ شهور قليلة مضت.وما سبب قبول الوزير المصري بأنّ تأخذ الدراسات وحدها سنة كاملة، وهو يعلم جيدا أنّ الفترة المطلوبة لتوافق الدول الثلاثة حول نتائج هذه الدراسات قد تأخذ سنة أخري.انّ الأحداث العبثية لمباحثات اللجنة الثلاثية توضح بجلاء أنّ الهدف منها هو الانتهاء من الدراسات (ان انتهت من أصله) بالتزامن أو بعد اكتمال بناء السد،ولا أدري ما فائدة الدراسات حينذاك. ومع ظهور مصر بهذا الارتباك والتردد في الدفاع عن حقوقها، تظهر أثيوبيا أمام العالم بقدر كبير من القوة والتعنت. حيث نجد وزير المياه هناك في حديثه لوكالة أناضول في أول مارس يؤكد أنّه لا لوقف بناء السد ولو لدقيقة واحدة، ولا للتفاوض حول سعة السد، ولا للاخطار المسبق عن أي سدود جديدة في أثيوبيا، ولا اعتراف بحصة مصر المائية، ويطالب مصر والسودان بجرأة يحسد عليها، بالتوقيع علي اتفاقية عنتيبي لاعادة توزيع حصصهما المائية علي كافة دول الحوض.وبالرغم من هذه الصلافة الأثيوبية الزائدة فانّها لا تتورع أن تصف المسئولين المصريين السابقين بالتعنت والتكبر، والأدهي من ذلك أنّ الوزير المصري نفسه يردد ادعاءاتها في وسائل الاعلام المصرية.الحقيقة أنّ أثيوبيا لم تر مثل هذه المواقف المصرية الواهنة منذ أيام محمد علي باشا،وسياسات الطبطبة المصرية لا تتوقف، ويعتقدون أنّ مثل هذه الطبطبة ستشجع أثيوبيا علي تقديم بعض التنازلات، ولكن التنازلات تأتي فقط ودوما من الجانب المصري. هل كان تمسّك قادة مصر السابقون بحقوق مصر المائية وعدم التنازل عنها بدءا من عبد الناصر الذي رفض طلب أثيوبيا بالاشتراك في مباحثات اتفاقية 1959 من منطلق التزامات أثيوبيا المنصوص عليها في اتفاقية 1902، كان تعاليا علي أثيوبيا أم كان حفاظا علي حقوق مصر المائية، والتي لولاها لعشنا فترات جفاف لا يعلم عقباها الّا الله. وهل موقف السادات الذي هدد بالحرب عندما شرع منجستو في بناء سد علي النيل الأزرق كان استكبارا علي أثيوبيا، أم حفاظا علي حقوق مصر وعلي حياة شعبها. وهل عدم توقيع مبارك علي اتفاقية عنتيبي حفاظا علي حقوق مصر المائية كان تكبرا، أم واجبا وطنيا. انّ العودة الحميدة لأفريقيا في رأي بعض المسئولين المصريين ثمنها الموافقة علي السدود الأثيوبية والتوقيع علي اتفاقية عنتيبي والتنازل عن حقوقنا المائية.انّ الشواهد كلها للأسف تدل علي أنّ هناك من يهوّن للقيادة السياسية من الآثار السلبية لسد النهضة علي مصر، ولكن آثار السد الوخيمة ستظهر أقرب مما يتصورون، ووقتها لن يجدي الندم.