مندوب الأخبار يشارك تلاميذ الملجأ حصة الرسم «نساء متشحة بالسواد ووجوه حزينة عليها غبرة أرهقها الحزن والألم ورجال متعبون أعيتهم الهموم فساروا متثاقلين عبر نقاط أمنية عديدة علي طول ممر طويل محاصر بالأسلاك الشائكة كأنه سجن كبير».. هذا هو أول ما تقع عيناك عليه عند دخول مخيم الزعتري للنازحين السوريين في شمال الأردن. مشهد يثير الانقباض في النفس بمجرد أن تطأ قدماك هذا المخيم الذي تحول إلي مدينة مترامية الأطراف بمشهد لانهائي للخيام المصطفة في خطوط كأنها تدعم بعضها البعض، فلا تكاد تري عيناك كلما تعمقت سوي لون الخيام الذي كان يوما ما «أبيض» ولون الصحراء الأصفر مما يعطيك إحساسا بالجفاف والجفاء..هذا الشعور الذي أصابني منذ لحظة وصولي إلي المخيم، الذي أقيم في يوليو 2012 لاستيعاب النازحين من الحرب الأهلية السورية، سرعان ما تحول إلي ارتياح عقب رؤية أطفال المخيم يحملون الحقائب المدرسية فوق ظهورهم النحيلة عائدين إلي منازلهم.. أقصد «خيامهم». مشهد يبعث علي الأمل وسط هذا الكم الكبير من الكآبة التي تلف أرجاء المكان. «المدرسة هي المستقبل»، كما يقول محمد راضي أحد اللاجئين الفارين من بطش النظام السوري.. ويضيف «بدون تعليم مافي أمل مافي مستقبل لازم الأطفال تتعلم حتي يغيروا الواقع اللي عايشينه». تغولنا بضعة كيلومترات داخل المخيم المقسم إلي 12 قطاعا تفصلها أسلاك شائكة تذكرك بأنك داخل سجن كبير.. وهو بالفعل كذلك.. لأن قوانين المخيم تمنع المقيمين فيه من الخروج إلا للعودة لديارهم..وصلت إلي مقر الهلال الاحمر القطري فاتيحت لي الفرصة لاقترب أكثر من الأطفال الذين يحضرون لتلقي بعض الدروس وتعلم المهارات للتغلب علي الأثار النفسية لما تعرضوا له من أهوال خلال فرارهم من الحرب. جلست بينهم، تحدثنا، لعبنا معا لبعض الوقت، لاستكشف كم هم مليئون بالطاقة وأن لديهم أمالا كبيرة وأحلاما صغيرة، وأن ما مروا به زادهم عمرا فوق أعمارهم الصغيرة ولكنه لم يقتل براءتهم وابتسامتهم. 15 طفلا ما بين السادسة والثالثة عشرة من العمر يلهون ويلعبون ولكنهم يتعلمون أيضا شاركتهم الدرس، ثم رسمنا معا، طلبت منهم مدرستهم أن يرسموا شيئا يحبونه. فخط أغلبهم بيوتا وأشجارا.. رسموا بيوتا لم يشاهدوها وأشجارا لم يروها في المخيم الصحراوي.. «محمد» طفل من أكراد سوريا سألته، هل هذا منزلك في سوريا فرد علي الفور» ما عندي بيت في درعا ولا هون». «درعا» هي مدينة سورية علي الحدود مع الأردن تعرضت لقصف مكثف من قبل قوات الأسد ونزح منها أغلب اللاجئين المقيمين في الزعتري. .رغم قسوة ما تعرضوا له لكنهم مازالوا يحلمون بوطن صغير وهو «البيت». الدكتور وليد حسن الاستاذ المساعد بكلية طب عين شمس يفسر ميل الأطفال لرسم البيت بقوله «إنهم يبحثون عن الأمان. الأطفال في سوريا تعرضوا لصدمات وأهوال شديدة فأول ما يبحثون عنه الأمان الذي فقدوه، والأمان بالنسبة للاطفال هنا هو البيت». اختتمت لقائي معهم بصورة جماعية فوجدتهم يشيرون بعلامة النصر دون أن يُطلب منهم أحد ذلك..! منظمات دولية كثيرة أقامت عيادات نفسية داخل المخيم لمساعدة النازحين وخاصة الأطفال للتغلب علي الأثار النفسية لما بعد الحروب حيث يعتبر الأطفال أكثر المتضررين نفسيا جراء الحرب هناك. ويقدر عدد النازحين في المخيم ب 80 ألفا بينهم حوالي 30 ألف طفل في سن المدرسة ربعهم فقط ينتظمون في الدراسة، وفقا لمفوضية الأممالمتحدة للاجئين. إلا أن تقديرات أخري تشير إلي أن عدد اللاجئين في المخيم يزيد علي 100 ألف. .ومن جانبها تقول رشا الصواف مسئولة مركز الزعتري للدعم النفسي «إن بعض الأسر ترفض إرسال أطفالها إلي المدرسة بعد انتشار العديد من الأمراض في المخيم مثل الجرب والقمل بين الأطفال».. وتضيف أنه في بعض الحالات يبالغ الناس في الخوف من انتشار الأمراض بسبب الظروف المعيشية في المخيم ولكنهم معذورون في ذلك.. وتشير إلي أن السبب الرئيسي في انتشار الأمراض هو شح المياه وعدم وجود صرف صحي بالمخيم وهو ما يشكل كارثة صحية بمعني الكلمة. وتشير الصواف، وهي سورية من دمشق فرت في بداية الحرب، إلي أن مفوضية اللاجئين توزع كوبونات الغذاء ولكنها لاتوزع مواد للنظافة الشخصية إلا في أضيق الحدود كل عدة أشهر وهو مايفاقم المشكلات الصحية. وتعتبر مشكلة نقص المياه في المخيم من أسوأ المشكلات التي تواجه النازحين ليس فقط لصعوبة وصول المياه إلي المخيم ولكن أيضا لأن الأردن دولة مواردها من المياه شحيحة بالإضافة إلي أنها دولة فقيرة عموما. ووفقا لمفوضية اللاجئين فإن تكاليف المعيشة في المخيم تبلغ نصف مليون دولار يوميا مع نصف مليون رغيف خبز و4.2 مليون لتر مياه.« من بين الموت طلعنا» هكذا بدأت أم مؤمن حديثها،..وتكمل هربنا من القصف وقناصة حزب الله والأسد... أكلنا ورق الشجر والحشيش (الحشائش) شوفنا الموت كل دقيقة حتي وصلنا لهون... أخت زوجي ماتت من الجوع في الطريق». مخيم الزعتري تحول إلي واحدة من أكبر المدن الأردنية وأكثرها كثافة سكانية ويعاني من العديد من المشكلات إلا أنه في النهاية «وطن مؤقت» لعشرات الألاف من الاطفال الذين ينتظرون من المجتمع الدولي أن يقف بجانبهم حتي يعودوا يوما ما إلي ديارهم.