الدمار الهائل لمعظم مبانى غزة يحتاج إلى جهد كبير وأموال طائلة لإعادة الحياة الطبيعية للقطاع بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي علي غزة وحساب ما خلفته الحرب من خسائر اقتصادية فادحة للفلسطينيين جاء الحديث عن إعمار القطاع والدعوة لعقد مؤتمر للمانحين برعاية مصرية نرويجية في محاولة لإعادة الحياة لغزة التي دمرتها إسرائيل علي رؤوس أهلها في واقع شديد الايلام لم يشهده القطاع منذ نكسة عام 1967. وأمام هذه الحالة الكارثية ظننا أن المأساة ستجمع شمل الشقيقتين الفلسطينيتين(فتح وحماس) لنفاجأ بوضع آخر مؤلم كان سببا في ضياع الكثير من الحقوق الفلسطينية في الماضي نتيجة بحث البعض عن دور في غزة ما بعد العدوان. وقد تشابهت هذه الاوضاع مع تلك التي وقعت بعد عدوان عام 2009 والتي تمخضت عن مؤتمر لإعادة إعمار غزة في شرم الشيخ لم ينفذ منه بند واحد .. فلماذا ننتظر نتيجة مختلفة هذه المرة؟ فها هي حرب التصريحات تعود من جديد بين الطرفين فتح وحماس حول من يمثل الشعب الفلسطيني في غزة في مؤتمر المانحين بعد ان نشرت أخبار هنا وهناك ان الدول الغربية والعربية لا ترغب في أن تصل الأموال لأيدي حماس. وهو ما أثير ايضا قبل المؤتمر الماضي وأدي إلي تقديم لائحتين للإضرار بأرقام مختلفة وتقييم مبالغ إعادة الإعمار بمبالغ متباينة، حيث تقدمت وقتها حكومة فياض بلائحة تطالب فيها بمليار و326 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، بينما تقدمت حكومة هنية بطلب مبلغ مليارين و215 مليون دولار. وكانت النتيجة تجميع مبلغ خمسة مليارات و200 مليون دولار مقدمة للاقتصاد الفلسطيني لكنها لم تصل يوما لغزة لأنها كانت مشروطة بشروط سياسية أوقفها الانقسام الفلسطيني الذي تغذيه إسرائيل والولايات المتحدة بالإضافة للمانحين الذين ساهموا في فشل المؤتمر بإصرارهم علي عدم المصالحة مع حركة حماس في المقابل الذي أصرت فيه حماس علي الا يتم شيء في غزة إلا بموافقتها. السبب الآخر الذي أفشل إعادة إعمار غزة في السابق هو إسرائيل التي أغلقت المعابر ولم تسمح بمرور الكثير من البضائع ومواد البناء للقطاع بحجة استخدامها في أعمال عسكرية. وكانت تريد تضييق الخناق علي غزة فلماذا سيتغير الحال هذه المرة ما لم تكن هناك ضمانات موثقة وواضحة لفتح المعابر ومرور المواد اللازمة لإعادة الإعمار. وتشير الاحصائيات الاخيرة للحرب علي غزة التي أستغرقت 51 يوما إلي إن حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الفلسطيني بلغت 3 بلايين دولار. وأن إسرائيل هاجمت 5263 موقعا ودمرت 17200 منزل بينما تضرر 37650 منزلا آخر، وان 540 ألف فلسطيني هجروا منازلهم وهم يمثلون نحو 30% من سكان غزة يعيش منهم 273 ألفا في 90 مدرسة من مدارس القطاع. كما دمرت 138 مدرسة خلال العدوان و26 مستشفي ومركز صحي و203 مساجد بالاضافة الي تدمير 70% من مصانع وشركات غزة. وأكد خبراء الاقتصاد أن غزة بحاجة لنحو 8.5 بليون دولار لإعادة اعمارها في مدة تستغرق قرابة العشرين عاما. بينما طالبت الأممالمتحدة المجتمع الدولي بتقديم 550 مليون دولار كإعانة عاجلة للأسر المتضررة. في الوقت الذي اكد فيه المسئولون في السلطة الفلسطينية أن غزة تحتاج الي 1.5 بليون دولار فقط لبناء المنازل. ووضعت الحكومة الفلسطينية خطة من ثلاث مراحل لإعادة الإعمار لمدة 5 سنوات، وأول تلك المراحل تبدأ بتوفير سكن مؤقت لكل العائلات التي تعيش بلا مأوي عبر استئجار بيوت، أو توفير منازل متنقلة، أو ترميم البيوت التي تعرضت إلي ضرر جزئي علي أن يتم التنسيق مع إسرائيل لإدخال مواد البناء. أما المرحلة الثانية فتشمل إعادة النشاط للقطاعين الزراعي والصناعي وإعادة اقامة البنية التحتية، كالمياه والصرف الصحي والكهرباء علي أن تتولي مؤسسات الأممالمتحدة توفير الأموال اللازمة للمرحلتين الأولي والثانية، بقيمة لا تقل عن 700 مليون دولار.أما المرحلة الثالثة فتشمل فك الحصار عن غزة ورفع القيود علي الصادرات والواردات للقطاع. وأعلنت الحكومة الألمانية أنها ستقدم 11 مليون يورو في مؤتمر المانحين بينما أكدت فرنسا رغبتها في المشاركة في الإعداد لمؤتمر إعادة اعمار غزة بالتنسيق مع الجانبين المصري والنرويجي ويعقد المؤتمر في القاهرة في 12 من أكتوبر القادم. ويبقي السؤال الأهم في ملف الإعمار.. هل سيكون هناك وفد فلسطيني موحد بأجندة واحدة يثمن معاناة الشعب الفلسطيني الذي ضحي بالكثير من أجل الحرية والاستقلال، أم ستنجح إسرائيل في مساعيها لإفشال أية مصالحة تفرض عليها الانصياع لصوت الحق الفلسطيني؟