إيهاب الحضرى قبل أعوام نجح طه حسين منفردا في أن يصبح قاهرا للظلام ، وهي تجربة فريدة لم تتكرر في مصر ثانية إلا علي يد عادل إمام الذي لم يكتف بقهره بل صار أميرا له في فيلمه الشهير ! الزمن أثبت أنهما كانا يملكان قدرات « سوبر مان « الخارقة لأن ما فعله كل منهما منفردا يعجز عنه الآن شعب كامل لا يتقن إلا الشكوي من ظلام « مفتري « عاد وهو يرتدي ثياب أمير الانتقام . رجع ليثأر من هزيمته علي يد العميد والزعيم بعد أن استغرق أعواما في تشكيل تنظيم من رافعي سكاكين الكهرباء . و .. عفوا .. انقطاع آخر مفاجيء في فاصل بين انقطاعين كتبت الفقرة السابقة ! وبطبيعة الحال انقطع حبل أفكاري مثلما انقطعت آلاف الحبال الأخري في بيوت عديدة . وهكذا قررت تأجيل الكتابة انتظارا لعودة الاتصال بيني وبين الوحي . لجأت إلي التليفزيون الذي لم أكن من مريديه ، انفتحت الشاشة علي قناة تعرض فيلم « أمير الظلام « ابتسمت مقتنعا بأنها إشارة بأن وحي الكتابة لن يتركني وحيدا . شدني إعلان علي شريط سفلي عن خبير في السحر المغربي ! يستعرض الرجل قدراته علي فك الأعمال وإبطال العكوسات والتصدي لألاعيب زوجة الأب وقهر الحماة وجلب الحبيب ومراقبة الأزواج . ولم يترك مشكلة دون أن يزعم أنه قادر علي حلها . ( انقطع التيار الكهربائي من جديد بعد هدنة قصيرة ، لكن العتمة هذه المرة كانت ملهمة . فكرت أن أقترح علي الحكومة فكرة الاستعانة بهذا الخبير . لو أصبح مستشارا لها لتمكن من حل المشكلة ببساطة . قبل قرون قال أبو نواس : فداوني بالتي كانت هي الداء . لهذا ربما يفل ظلام الجهل ظلام الكهرباء) !. إهدار النصف مليار! عادت الكهرباء علي استحياء فوجدتها فرصة لنظرة عابرة علي جريدة . يستوقفني تصريح للمستشار هشام جنينة يتحدث فيه عن إنجازات المركزي للمحاسبات مؤكدا أنه خلال عام واحد اكتشف مخالفات إهدار مال عام تقدر بملياري جنيه منها ما يزيد علي 500 مليون مرتبات للمستشارين . أشعر بالخجل عندما أتذكر اقتراحي السابق ، وأحمد الله أنني لم أطرحه علي أي مسئول لكي لا أتسبب في جريمة جديدة تزيد مبلغ النصف مليار . لكن انقطاع التيار من جديد جعلني أقتنع بأن زيادة مستشار لشئون الكهرباء السفلية لن يمثل عبئا حقيقيا علي ميزانية الدولة !! نور أسوان كانت زيارتي الأولي لها قبل خمسة وعشرين عاما في إطار مغامرة شبابية قمت بها مع ستة من أصدقائي . بمجرد وصولنا شعرنا أننا نواجه المجهول علي بعد ألف كيلومتر من العاصمة . عند وصولنا أصبنا بالفزع عندما واجهتنا أسعار الفنادق . قرأ تاجر عجوز الخوف علي وجوهنا وسألنا وعرف السبب . بحديثه الهاديء نجح في طمأنتنا فبدأنا نفكر بهدوء حتي عثرنا علي فندق صغير يواري سوأة مادياتنا ! تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع ما يحدث في أسوان الآن . أتعجب ، لأن السماحة التي رأيناها علي وجه التاجر تكررت علي كل الوجوه دون استثناء علي مدار أسبوع قضيناه هناك . كنت مقتنعا أن أهل أسوان أخذوا من الصعيد إيجابياته وألقوا بسلبياته وراء ظهورهم . لكن يبدو أن ما أصاب المصريين من سلوك عنيف امتد إلي أسوان . إنه الظلام يلتهم كل شيء . اقطعوا التيار الكهربائي كما شئتم لكن أعيدوا النور إلي وجوه أهالي مدينة السد العالي !