قاهرتي التي أحببتها وأرتبطت بها أكثر من أي مكان في العالم أصبحت لا تطاق، العيش فيها أصبح مغامرة وانتحارا، عذاب يومي ،بدني ونفسي، قاهرتي لم تعد الملهمة الشاعرة الساحرة الفاتنة، من فضلكم اعيدوا لي قاهرتي التي عرفتها وان لم تستطيعوا فعليكم ان تعلنوا الحداد لموتها ! شوارع قاهرتي التي كان يضرب بها المثل في النظافة والجمال تمرح فيها الآن البغال والحمير تجر عربات الكارو المحملة بالخضار والفاكهة ،وعندما تغيب الشمس وترحل عربات الاحتلال تترك خلفها مخلفات الحمير التي تفوح رائحتها الكريهة فتزكم الأنوف وتلوث الصدور، و» اكنسي « يا حكومة لتزيلي يوميا أثار الغزو والاعتداء،قبل ثورة يوليو 1952 كان لكل « حمار» رخصة تستخرج من البلدية، واماكن مخصصة لمواقف الحمير لا يستطيع احد الخروج عنها أو عن خط السير المخصص لها، اليوم وبفضل تداعيات الفوضي التي احدثتها هبة 25 يناير تحولت كل شوارع القاهرة وميادينها لمواقف لزمرة الحمير وحماريها الافاضل الذين نزحوا من المحافظات الاخري بحثا عن لقمة الرزق، وهؤلاء لا يعنيهم ما يخلفونه وراءهم من قمامة وقذارة وروائح كريهة تضر بالبيئة وتجلب المرض وتهدر الصحة ! قاهرتي التي كان يضرب بها المثل في العشرينات وحتي الستينيات بأنها متحف معماري فريد تمتزج فيها المباني ذات الطراز البلجيكي والطراز الفرنسي، أصبحت الأن متحفا للقبح المؤذي للعين والقابض للنفس، ضاعت كل ملامح الجمال واختفت وراء سواد الغبار الذي جعل البنايات والعمارات كما الوجوه الشاحبة التي تعاني من الهزال وفقر الدم، وفقر الاحساس والقدرة علي تذوق الروعة والجمال ! كل شيء في قاهرتي الحبيبة أصبح قبيحا، الباعة زحفوا في كل اتجاه ليحتلوا الارصفة والشوارع والميادين، لا مكان لقدم إنسان من حقه الشرعي والقانوني ان يجد الطريق الذي يسير فيه بيسر وأمان، لم يعد الباعة جائلون كما يطلق عليهم ،لقد استقر بهم المقام وتأكد كل منهم انه اصبح صاحب المكان الذي يقف عليه ويدفع اتاوته لرئيس الحكومة الخفي الذي يدير امبراطورية الشارع، ويسهل له الاقامة والحماية طالما يدفع المعلوم، واتحدي ان تستطيع الحكومة الشرعية الفوقية التي بيدها القانون والسلطة التنفيذية ان تزيل تلك العشوائية التي حولت قاهرتي لسوق مفتوح يتسم بالتلوث البصري والسمعي والاخلاقي ايضا، لأن تلك الحكومة وغيرها من الحكومات السابقة تركت الأمر يتفاقم، وسمحت بتراكم طبقات الفوضي والعشوائية التي ضربت في الجذور، فأصبح لكل بائع منصة حديدية محفور لها اوتاد في الارض، يحرسها اثناء الليل اشخاص موكل لهم تلك المهمة مقابل ما هو مخصص لهم من رئيس حكومة الشارع المعلومة جيدا للحكومة الرسمية، وعلي الحكومة الرسمية ان ترسل زباليها وكناسيها وعمال نظافتها لازالة ما يتركه هؤلاء ورائهم من مخلفات وقمامة واكياس وكراتين واوراق كل مساء ! قاهرتي يا سادة حزينة جدا فمن يمسح دموعها ويعيدها لسابق عهدها مرة اخري؟ !