عبدالهادى عباس المصريون شعب يُحب الآخرة ويقدس الأموات ولا يعرف الفضل لصاحب الفضل إلاًّ بعد أن يتوكل علي الله ويُغادر الحياة الفانية إلي الحياة الباقية،. فماذا يفيد المتوفي من مدحنا إياه وشكرنا فيه، وقد انقطع عمله إلاَّ من ثلاث.. ولذلك ما خدعني أبدًا من يبكي علي فقيد وقد أرهقه وبخسه حقه في حياته الدنيا.. إذ أدرك فورًا أنها دموع التماسيح.. وهل تبكي التماسيح؟! أقول هذا لأني أعرف رجلاً، من ذلك النفر الذين وصفهم القرآن بأنهم "رجال" قدَّم كثيرًا إلي الصحافة المصرية.. أخلاقًا وعملًا.. دون أن ينال، ولم يطلب، جزاءً ولا شكورًا.. رجل لا أراه مرة إلاًّ وتذكرت شيخنا إبراهيم عبدالقادر المازني، فهو صنو هيئته ورفيق روحه، وي كأنه يحطب في حبله وينفق من كيسه.. وما شككت قط في أن روح المازني الساخرة اللاذعة تُحيط به وترعاه وتُسدد خطاه وتُملي عليه ما يخط بنانه؛ فكل خبر يكتبه وكل مقال يسطره يحمل تلك الروح المازنية العابثة التي تُخرج لسانها الطويل للمنصب والجاه والكرسي، لأنها من المغريات في حصن حصين ومن كبريائها في ركن ركين.. وليعلم القارئ أن موهبة الكتابة الساخرة شأو لا يرقاه جُلّ أرباب القلم وأهل الصنعة.. إلي الأستاذ محمد درويش مدير تحرير الأخبار أزجي هذه السطور.. أبقي الله الود منخولا بينه وبين تلاميذه ومحبيه الذين وهبهم مندوحة الاختلاف معه، وإن كانوا دونه خبرة وثقافة وحسن تدبير. يُهان المرء رغم أنفه ! امرأة حبلي من حرام، ثم تضع طفلها ويهرب عشيقها، فيعطف عليها وعلي صغيرها رجل طيب من أولاد الحلال ويرسل إليها راتبًا شهريًّا يُغنيها عن سؤال الناس.. حتي إذا ضاقت أحوال الرجل وتبدلت حاله من اليسر إلي العسر وتأخر في إرسال شهرية المرأة هددته وتوعدته وخاصمته إلي القاضي واتهمته بأنه والد طفلها، والدليل أنه كان ينفق عليها طلبًا لصمتها.. إذ اعتبرت أن هذه الحسنة أضحت حقًّا من حقوقها الثابتة تأكله حلالاً بلالاً.. هل هناك وقاحة أكبر من هذه قد تُداهمنا بها الحياة، حيث يُعاقب المرء علي معروفه، ويُهان ممن مدّ إليه يده.. هذا بالضبط ما أشعر به تُجاه ما يفعله مهرجو الإخوان في الشارع من إرهاب وبلطجة، والأدهي أن تصدر هذه الدنايا من طلبة جامعيين تحولوا إلي أراجوزات في أيدي بعض متعصبي أساتذة الجامعة المتدثرين بدثار هذه الجماعة المارقة؛ حيث ينخسون الطلبة الأغرار فيهتاجون ويتهارشون ويعتدون علي أساتذتهم ويشوهون أسوار الجامعة بحجة دعم الشرعية التي أعطاها لهم الشعب، فظنوها حكرًا لهم وحقًّا أصيلاً من حقوق وجودهم، حتي إذا استردها منهم ساموه الخسف وناصبوه العداء، وازورّوا عنه مُدّعين زورًا وبهتانًا بأنه شعب جبان مصكوك القفا، تمامًا كما ادعت هذه المرأة العاهرة علي هذا الرجل الطيب وأنكرت جميله عليها، ودنّست عِرضه الشريف.. فقط لأنها ظنت، آثمة، أن صتدقته قد أضحت ضربة لازب عليه!.. هكذا يرفل شباب الإخوان في ضلالة عمياء وجهالة حمقاء وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا.. يبدو أن المرء في بعض الأحيان يُهان رُغم أنفه! الأفحش أن تسمع وتري من يُدافع عن طالبات الإخوان ويسميهن بالحرائر، ويغض الطرف عن كل الجرائم التي يقمن بها في الشارع، في منظر مُهين لصورة المرأة المسلمة.. في الوقت نفسه الذي كانت عيون هؤلاء المدافعين في قمة (الفنجلة) حين تم الاعتداء علي فتاة مجلس الوزراء حيث خرجت وقتها الفتاوي المعلبة من أهل اللحي تدين هؤلاء الثائرات وتنصحهن بعدم الخروج من البيت.. »ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون.. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون«. حائط المبكي ! منذ قرون طويلة أدرك ابن خلدون الوشائج التي تربط بين التراجع الفكري للمجتمعات ورواج الفتن من مستغلي الدين للوصول إلي الرئاسة التي امتلأت بها جوانحهم وعجزوا عن التوصل إليها بأسبابها الطبيعية.. ولكن الأزمة ظلت باقية حتي وجدنا من يصرخ فينا "أهمية أن نتثقف يا ناس".. وهي جملة قالها عملاق القصة يوسف إدريس في وقت كان يموج بأباطرة الثقافة والفنون، فماذا لو أدرك زماننا هذا، وسمع بأذنه الواعية من يرفضون فكرة الوطن وينادون بعودة الاستعمار التركي لأمتهم؟! بحجة أن تركيا كانت آخر رمز للخلافة الإسلامية التي يجعلون منها حائط مبكاهم بُكرة وعشيًّا، ولا يعترفون إلاَّ بأحزابهم الإسلامية، أو التي تدعي أنها كذلك، الدين عند هؤلاء وسيلة وحيلة يلجأون إليها إن أضنتهم الحيل وعاندتهم المصالح.. وهم موصولون بطغيانهم ما دامت الأمية معششة في قلوب أتباعهم الذين يهزون رؤوسهم خنوعًا.. في بله الغافلين، وغفلة البلهاء !