"كان المازني يعطي لأدبه من روحه المرحة الساخرة وطابعه الخاص، ويبرز اسمه وراء كل سطر مما يكتب". هكذا يصف الكاتب هاني الخير في كتابه "مشاهير وظرفاء القرن العشرين" الأديب الكبير عبد القادر المازني. اتجه المازني في بداية حياته الأدبية إلى نظم الشعر، وأصدر ديوانان، ثم اتجه إلى النثر وصدر له ما يقرب من ثلاثين كتابا، لقد انتهى المازني إلى السخرية من الحياة ومن في الحياة، وما فيها، واعتبرها كذبة كبرى ولم يعد يعبأ بشئ، وامتدت تلك السخرية المريرة حتى شملت عصارة نفسه وجهد حياته وخلاصة تجربته الإنسانية. كان هاجس المازني وشاغله الأبدي أن يسعد ويرضي جمهوره فيما يكتب، أكثر مما يلتمس أن يكّون إنشاء يخلد به في الأدب. المازني يهجو نفسه كان المازني طبيعيا في كل شئ، ولعل هذه أبرز صفة عنده،كانت صحته فقط موضع نظر منه، وكان يشكو من قصر قامته كما كان يشكو من العرج حتى أنه هجا نفسه بقوله: انظر إلى وجهي الشتيم اللعين/ وأحمد على وجهك رب الفنون. إنه يصور نفسه تصويرا يبعث على الضحك بينما هو محزون متألم، ومن غريب المفارقات أنه كان صديقا للعقاد رغم الفروق بينهما، فقد كان العقاد أميل للوقار شديد الوطأة في النقد أو الهجو، معتداً بقوته وجبروته غير متسامح في شئ. في حين كان المازني أميل للنكتة والمزاح متسامحاً في كل شئ، فهو يحاول إقناعك أو ردعك حتى إذا رآك عنيداً مشاكساً مال معك واعترف بخطئه "تمشية للحال" وحسماً للقيل والقال. عشقت 17 مرة يقول المازني: عشقت مرارا وقال فيّ صديي عباس العقاد قصيدة بعث بها إلي: أنت في مصر دائم التمهيد/ بين حب عفي وحب جديد. وأذكر أنه بعث إلي يومئذ برقعة كتب فيها أسماء المعشوقات وإلى جانبها أرقامها وكان الرقم الأخير 17، ومسلسل الأرقام تحتها ووضع أمامها أصفارا لا أسماء، إشارة إلى أن معاشقي لا تنتهي، وأنه ينتظر أن يعرف الأسماء ليقيدها قبال أرقامها. أحد اللصوص يهاحم منزلي فاتخذه صديقا يقول المازني: من المضحكات أن جريدة الأخبار دعت الأمة إلى الاكتتاب لإقامة تمثال نهضة مصر للمرحوم مختار المثّال، وبلغت جملة ما جمعته حوالي ستة آلاف من الجنيهات، وكانت الاكتتابات تودع بنك مصر أولا بأول. ولكن بعض البلهاء ظن أن ما تتلقاه الأخبار من الاكتتاب يحفظ في بيتي، فأيقظني ذات ليلة صوت جسم وقع في الفناء الخلفي من الدار، ومضيت إلى الباب الموصود وفتحت شباكه ونظرت فإذا واحد من أهل الحي، ولم يخطر لي أنه جاء ليسرق، فما في البيت ما يستحق أن يطمع به أشد اللصوص فناعة، وظننته جاء يطلب شيئاً، فحييته وقلت له تفضل، وحملت ما بدا لي من تردده واضطرابه على محمل الخجل، فألححت عليه فدخل. مضيت به إلى المكتبة، وناولته سيجارة وقمت لأصنع له قهوة، فاستغرب سلوكي معه وأعجبه على ما يظهر، فأقر لي بالحقيقة، وسألني الصفح، فضحكت وقلت له: والله إني لجدير أن أخجل منك فإن البيت فارغ، ودرت به على الغرف ليرى بعينيه مبلغ فراغها فزاد خجله، وطال اعتذاره وعظم أسفه، فخطر لي أن من نقص المروءة أن أرده خائباً صفر اليدين ولم أجد غير الكتب فتناولت طائفة منها، وقلت له: خذ هذه وبعها، وإذا احتجت إلى سواها فتعال إليّ، وكتبت له رقعة وقلت فيها أني اعطيته هذه الكتب، كي لا يتعرض إلى مضايقة رجال الشرطة. الفقيه الأعمى الطريف بعذ ذلك أن جاري اللص صار صديقي، فقال لي يوماً: إن هذا البيت غير مأمون لأنه "منطة" وأن الأولى أن اتخذ حارساً، ولولا أنه مشغول بكسب رزقه لتولى الحراسة الواجبة. ولكنه سيجئ برجل أمين يقظ يؤدي هذا الواجب. وبعذ بضعة أيام جاءني بفقيه أعمى وقال هذا حارسك، فلم أرد أن أرده فكان يبيت كل ليلة عندي على الشرفة وإلى جانبه عصاه، وكان خفيف النوم كل شئ يوقظه، وإذا استيقظ ضرب الأرض بعصاه وصاح "من القادم" فأستيقظ أنا أيضاً فلم أجد لي في هذه الحراسة راحة فحولته إلى المقبرة وقلت له: اقرأ على هذا القبر كل يوم ما تيسر من القرآن الكريم. وانتقلت إلى بيت آخر آمن وأقل حاجة إلى هذه الحراسة. إلى ابنيّ الصغيرين جاء إهداء كتاب "خيوط العنكبوت" على الشكل التالي: إلى ابنيّ الصغيرين رضا عبدالقادر المازني الذي أوفى على السادسة وعبدالقادر المازني الذي شارف الرابعة. اعترافاً بفضلهما عليّ وشكراً لمعونتهما لي فلولا عبقريتهما لظهر هذا الكتاب قبل عامين!