الإثنين: استيقظت الوطنية المصرية في روعتها وجلالها علي يد الشباب وليس في هذا ما يدعو الي الدهشة فإن الشباب المصري هم طلائع المجد والأمل والرجاء وقد كانت حركة الشباب المصري التي تمثلت في »تمرد« خالصة لوجه الوطن وحده لم تختلط بها نزعات شخصية ولا حزبية كان هتافهم لمصر ومجدها وحريتها وكانت غضبتهم موجهة الي هذا النظام الفاشي الإرهابي الذي كان يريد ان يحول بين وطنهم وبين أن يبلغ ما يرجوه من حرية وعزة وكرامة وأن يطمس هويته ويغير شخصيته! وإذا كانت هذه الحركة البريئة الرائعة قد خضبتها الدماء فلم يكن ذلك عن خطأ الشباب المسالم المتحمس لحق بلاده في الحرية والعدالة ولكنه كان مع الأسف الشديد عن رغبة شريرة من جانب النظام الذي كان يحكم البلاد والذي كان يحول بين الشباب وبين التعبير عن مطالبهم وكأن الذين يتظاهرون لكي تتحرر بلادهم وتعود الي أحضانهم ليسوا من أبناء هذا الوطن ولكن الأبناء الذين يعترفون بهم هم الأهل والعشيرة فقط! إن الأسي يملأ الفؤاد علي هذه الدماء الزكية التي أريقت دون ذنب برصاص هؤلاء الذين طالما زعموا أنهم يدافعون عن حريات الشعب ويحترمون سلطات الأمة ولا يتدخلون في شئونها ولكن شاء الله عز وجل أن ينكشف أمرهم وأن يفضح الشعب أغراضهم حتي أصبح كل افراده يتمنون رحيل هذا النظام ولا يتحملون بقاءه يوما واحدا. أن الشباب يسانده الشعب وجيشه العظيم وشرطته الباسلة قد حقق آمال وأحلام الأمة وأعاد مصر الي أحضان أبنائها. الإنسان شمعة تحترق! الثلاثاء: أعجبني القرار الذي اتخذه صديقي رجل الأعمال بالاستقالة من جميع المناصب التي يشغلها لبلوغه سن السبعين فهو رجل عرف كيف يعمل وكيف يستريح، وكيف ينظم حياته، فيحقق من الخير أضعاف ما يحقق المشتاقون للمناصب وجمع المال الذين لا يؤمنون بحد يقفون عنده ولا غاية يسترون وراءها عجزهم عندما يظلون في الميدان حتي يصيبهم الخرف وهذه المطربة التي تظل تغني علي خشبة المسرح الي أن يهرب الناس من صوتها الكريه وشكلها الذي صنعت به السنون ما لا يستطيع ان يصلحه عشرون جراحا للتجميل وغيرها كثيرون! أعرف وزيراً كان ينقلونه الي مكتبة كأنه جثة، وكان لا يبقي علي كرسيه في الوزارة غير دقائق ثم يذهب الي غرفة منعزلة لكي يتناول الحقن والأدوية. وقد مر علينا وقت كان بعض المتولين أخطر شئوننا ممن جاوزوا السبعين واقتربوا من الثمانين، ولا اعتراض لنا عليهم إذا كانوا في صحة جيدة، أما إذا أضيف الي السن الكبيرة الصحة المتهدمة فأي قرار سليم يستطيع مثل هؤلاء المساكين ان يتخذوه؟ إننا نعرف أن الانسان له طاقة، وما كان يستطيع أداءه وهو في العشرين، وما يحسنه في سن الخمسين قد لا ينجح فيه إذا جاوز السعبين . إن الحياة شمعة تستهلك علي مر الأيام والسنين، وضوؤها يخفت مع مرور الزمن والعمر مصباح فيه زيت يأخذ في التضاؤل مع الوقت، وشعلته تظل تنبض بالحياة ما دام الزيت باقيا، والمصباح لا يشتعل إلا بمقدار. بعضنا يبدد عمره في سنوات يشتغل بالليل والنهار يعكف علي الملذات والسهرات كأنه مفوض ان يقتل حياته قتلاً فإذا أصابته الأمراض، وعجز وهو في ريعان العمر، شكا حظه، وشكا الناس، والأجدر به ان يشكو نفسه التي اتلفت حياته، وشربت الكأس في رشفة واحدة، حتي بلغت الثمالة! شاطر.. أم منافق؟! الأربعاء: قال صاحبي: هل رأيت فلانا كيف عام علي السطح في كل عهد، أليس إنساناً بارعا أوتي ما لم يؤت أكثر الناس؟ قلت: هل تعد النفاق موهبة تسبغها عليه؟ قال: ان الناس لا يعدونه منافقاً ولكنهم يعدونه »شاطراً« قلت: هل يحترمه الناس؟ قال: لست أدري ولكنني أري أنه يكسب مالاً ونفوذاً قلت: وغيره ممن لا يعدون شطاراً؟ قال: لا يكسبون مالا ولا نفوذا، قد يصيبهم بعض الأذي قلت: ومن هو المسئول عن هذا؟ هل هو المنافق الشاطر الذي يقبل الأيادي، أم من يسمعون له ويفتحون الأبواب والنوافذ. قال: اياً كان المسئول فهذا هو الوضع.. وقد يكون المنافق بلغ من دقة الصنعة الي حد أنه يلبس الباطل ثوب الحق، ويلبس الحق ثوب الباطل، فيحتار الناس في أمره هل هو منافق أصيل أم مخلص أصيل؟ قلت: هذا هو السر الذي حرت فيه.. إن فلاناً هذا كان أثيراً لدي العهد السابق.. لست أعرف ماذا صنع ولكنه وهب حاسة عجيب يعرف بها من أين تهب الريح والي أين، فيفرد قلاعاً ويطوي قلاعاً.. قلت: والقلاع من لون واحد؟ قال: علي كل حال إنه اللون الذي يناسب الموج.. العاطفة.. لا تعترف بالقدر! الخميس: كان الضوء خافتا، والمساء ينشر ظلا عذبا كله حنان.. الأشجار في الطريق كأنها الحراس، وأبواق السيارات كأنها العذال.. أما هما فكانا يسيران، النهر الي جانبيهما، والحب في قلبيهما، والأمل المشرق يهديهما. وجهان في عذوبة الصبا، شابان لم تثقلهما المسئوليات، ونفسان مطهرتان.. نظرت إليهما وكأني أحرسهما أو أغبطهما أو أحسدهما وهل الحياة إلا نبضة في قلب أو دمعة في عين أو إشراقة في نفس.. إننا لنقرأ في كل ما حولنا حياتنا، ماضيها الذي ذهب وحاضرها الذي يوشك أن يذهب، ومستقبلها المجهول الذي لا نعرف أي قدر ينتظرنا وينتظرهما. تصورت هذين الشابين وقد تزوجا، فإذا البرودة تنشر علي الحرارة ظلا من الموت وإذا سحر الهمس واللمس يتحول الي شجار علي الطعام واللباس والأولاد والأموال، وإذا سحر الشفق البادي أمام أعينهما أشبه بالجمرة في قلبيهما، يصبح وكأنه اللعنة انصبت من السماء، وإذا هما وقد ضمتهما غرفة واحدة، ينام كل منهما مسهدا لا يطيق النظر الي صاحبه، وهما الآن لا يشبعان، يتعلق كل منهما بلمحة أو لمسة أو لفتة. وقد لا يتزوجان، فيشتعل الحرمان فاذا هو اللهفة، ويتحجر الدمع فإذا هو اليأس، وتسهد الجفون تنتظر سعادة لن تجئ. وقد يذبلان قبل الأوان!.. لو فكرا في المصير ما ابتسما، ولكن العاطفة لا تعترف بالقدر ولا بالألم ولا بالحزن، إن طغيانها يجعلها متفردة، فإذا كل المخاوف أمان، المال أمامها عبث، المجد ذاته وهم، السلطان سخافة.. ليس في الدنيا أحلي من لمسة يد محبوبة وإشراقة عين كأن شعاعها والخلود سواء وماذا يهم لو انتهت الحياة؟ ماذا يهم لو انطبقت السماء؟ إن الحياة لا تقاس بالطول لكن بالعرض، لا تقاس بالأيام والليالي والشهور والسنوات الباردة المظلمة.. إن ومضة دافئة من عين فيها ابتسام الحب تعوض عن دهر من الحرمان.. تباركت يا إلهي ألف ألف مرة، فقد خلقت لنا في بحر من الظلمات لمحات من النور. رجل سخيف! الجمعة: عرفت صاحبي إذا عرض أمامه أي موضوع إلا يكون له فيه رأي وتوجيه يزعم انه قرأ كل شئ.. ما سمعت منه قط كلمة »لا أعرف« بل ما رأيته مرة ساكتاً كلما كان هناك مجال للكلام درس الطب ولكنه أقل ما يكون كلاماً فيه وسألته لماذا اختار دراسته إذن؟ قال فرضوه عليّ فرضاً كان والدي طبيباً كبيراً جمع ثروة طائلة ورأت العائلة ان أرث اسمه وفنه، ألا تري أنهم سخفاء؟ قلت: انت ادري بهم! قال: ألا تري أنني مظلوم معهم.. كل الناس يرثون عن آبائهم شيئين: الاسم والدين، أما أنا فورثت الحرفة أيضاً قلت: هل انت آسف لانك ورثت اسمك ودينك أيضاً؟ قال: ليس بالضبط ولكنني اذا اردت تغيير ديني قامت الدنيا وقعدت. قلت: هل تنوي ان تفعل؟ قال: في الوقت الحاضر لا، لكن من يدري ماذا يخبئ المستقبل؟ وسكت لحظة ثم استطرد: ألا تري الناس سخفاء أيضاً؟ قلت: تقصد مثل أهلك، هل يفرضون هم الآخرون عليك شيئاً؟ قال: يفرضون كل شئ.. إنني أكاد اتحرك في نطاق حديدي.. يحلو لي أحياناً ان أقبض علي مدير الجامعة التي أعمل فيها، وأن أقذف به الي الجحيم، لأنه رجل جاهل ويفرض آراءه عليّ.. ولابد ان استحسنها. قلت: ألا تحترم حريته في آرائه؟ فقال: بعض الناس يجب تجريدهم من حريتهم وأولهم زوجتي وأولادي! قلت: ولماذا لا تفعل؟ قال: تطردني الجامعة فلا أجد عملاً وتطردني زوجتي فلا أجد بيتاً، ويطردني الناس فلا أجد مكاناً في الحياة. قلت: ألا يجوز ان تكون أنت السخيف وتكون الحياة والاحياء مظلومين معك؟ قال: هذا جائز، ولكنه ليس حلاً لمشكلتي..