»انتشار التعليم والتخفيف من ويلات الفقر.. سيؤديان إلي تثبيت دعائم الحياة البرلمانية..« الاثنين: ها هي الانتخابات لمجلس الشعب قد انتهت، ومانزال في انتظار إعلان النتائج، ولكنها تركت في النفوس آثارها.. أنصار المرشح الذي سينجح هم اليوم الخصوم المنتصرون، وأنصار المرشح الذي لم ينجح سيقولون لهم انتظروا إن الدنيا دوارة ولا تثبت علي حال!! وما أكثر ما خلفت الانتخابات في الريف من حزازات وأحقاد، وما أكثر ما أفسدته من خلق، وضيعت من مثل، وأذلت من كرامات، وقد انتهت المعركة، ولكن جروحها ستظل تنزف إلي حين! كنت أنصت إليه وهو يتحدث، شاب في مقتبل العمر أوشك أن يفرغ من دراسته في الجامعة، قال انه تفرغ في الأسابيع الأخيرة، وانطلق يدعو إلي انتخاب أحد المرشحين، وبذل جهد استطاعته، خطب وكتب ووزع منشورات، ولكن لم يحظ المرشح بتأييد يؤهله للنجاح.. وهمس في أذني أنه في الواقع لا يستحق النجاح، فسألته لماذا كان تحمسه، ولماذا كان انصرافه عن دروسه؟ قال: انت تعرف أنني موشك أن أحصل علي الليسانس، وقد وعدني هذا المرشح بأن يساعدني في الحصول علي وظيفة، قلت: إذن ضاع تعبك سدي.. قال: من يدري، لعل الحال يتغير، ولعل من لا نفوذ له اليوم، يصبح غدا من أصحاب النفوذ، وتابع كلامه: أتعرف أن فلانا شيخ البلد في قريتنا كان طامعا أن يصبح عمدة، وله ابن يرجو أن يوظفه المرشح في أية وظيفة بالحكومة، هذا الابن ليس له مؤهلات!! ولست أميل دائما إلي تصديق كل ما يقال عن الانتخابات، فإن معركتها أشبه بالأمواج تذهب وتجئ، ترتفع وتنحسر، وما أكثر ما تتأثر فيها الاتهامات، حتي أنك لو صدقت كل ما يقال فيها وعنها لانتهيت إلي أن كل مرشح قد بذل لجميع الناخبين وعودا وعهودا، وأنه اشتري ذممهم جميعا!! علي أنه لا ريب عندي أن الوعي السياسي قد استيقظ في نفوس الناخبين، وأنهم اليوم أشد استعصاء علي الراغبين في كسبهم بالخديعة والتهديد والوعود، وأنه كلما انتشر التعليم انتشر معه الإحساس بالكرامة والنفور من المساومة. إن أهالي الأقاليم يقعون أحيانا تحت تأثير العمد والأعيان، وهم قادرون في أكثر الأحيان أن يحولوهم إلي الجهة التي يريدونها، ولكن قدرتهم هذه تضعف مع مرور الأيام، ومع تيقظ الناخبين، وإحساسهم بذاتهم، وإذا تحقق الاصلاح الاجتماعي وارتفاع مستوي المعيشة بين الفلاحين، وارتدت إليهم كرامتهم الاقتصادية، فلاشك أنهم سيستردون معها كرامتهم السياسية، فلا يصبحون »ألعوبة« في يد أحد، وحينئذ يمكن أن تجري معارك الانتخاب، ويكون الناخبون فيها أصحاب الرأي يبدونه من غير خوف أو تردد أو مجاملة. هكذا نجد أن انتشار التعليم، والتخفيف من ويلات الفقر، سيؤديان إلي تثبيت دعائم الحياة البرلمانية، وتنقية الانتخابات من شوائب التأثير والإرهاب والتهديد، وسيحمل المرشحين والساسة علي الالتزام بوعودهم وعدم الإسراف فيها. كيف نقضي علي النفاق؟!! الثلاثاء: النفاق آفة قديمة، طالما شكونا منها، ولابد أن نتكاتف للقضاء عليها، ومن المنافقين من يكون نفاقه أبيض، أعني لا يقصد به الإضرار بأحد، وربما لا يقصد به النفع لنفسه، ولكنه جبل علي المبالغة والإطناب، ولم تكتمل شخصيته، فهو ينافق »عمال علي بطال« وينافق كل الناس تقريبا، وليس رؤساءه فحسب، ولا حيلة لنا مع هذا النوع من المنافقين، فإذا صحت تسميته فهو »منافق بالخلقة« كالمجرم بالخلقة، ومع ذلك فوجوده ضار لأن نفاقه يؤتي ثماره مع بعض الناس، ولكن ضرره محدود، فهو لا يكاد يخفي علي أحد، ومن ثم يذهب نفاقه في أكثر الأحوال أبيض من غير سوء، قلما يثير غير هزة الكتف، أو بسمة فيها السخرية! أما المنافقون الخطرون فهم الذين يضعون الخطط، ويحكمون الوسائل، ويستطيعون بصورة أو بأخري أن يلبسوا نفاقهم ثوب الحق، وهم تحت ستار هذا النفاق يستولون علي القيادات والرؤساء، ومن ثم ينفسح أمامهم المجال، وليس أخطر من المنافق الذي ينفسح أمامه المجال. وما من مسئول أمين كفء إلا وشرب كأسا من منافق عنيد، وما من عمل ناجح إلا وأفسده نفاق، هذا الصنف العتيق من المنافقين.. وهم سوس في الأداة الحكومية وفي المؤسسات والشركات الخاصة، إنهم شر يجب أن يطارد لكي يزكو العمل الصالح، ويكون للكفاية فقط.. ونحن نحاول الآن أن نخلص الأداة الحكومية من الروتين والبيروقراطية، ودفعها وتنظيمها وجعلها أكثر سرعة وانتاجا، فهل من أحد يستطيع أن يقترح وسيلة للقضاء علي هذا السوس الفتاك! وهذه رسالة تلقيتها من القارئ العزيز العميد مهندس متقاعد محمد محمود سلامة من الاسكندرية يعلق فيها علي النفاق والمنافقين، يقول: مع رؤية هلال موسم الانتخابات، انطلقت المسيرات تطرق الأبواب، وتدق الأبواق، فإلي الذين يجيدون ممارسة لغة الرياء والنفاق أقدم لهم هذه الرواية التي سطر سطورها الإمام أبوحنيفة النعمان، وذلك عندما اصطفاه واختاره أبوجعفر المنصور الخليفة العباسي المشهور لاعتلاء منصب قاضي القضاة، إلا أن الإمام رفض وأبي أن يتولاه خشية غضب الإله قائلا: »يا أمير المؤمنين اتق الله ولو هددتني بأن تغرقني في نهر الفرات أو ان اعتلي ناصية القضاء، لاخترت أن اغرق في الفرات عن اعتلاء هذا المنصب، فلديك حاشية مارقة باغية تحتاج إلي من يساندها ويجاملها من أجلك، وهذا يعز عليّ، ولديك ما هو خير مني، فقال له أبو جعفر المنصور، انك لمن الكاذبين فأنت خير من يعتلي هذا المقام الأمين، فقال له الإمام أبوحنيفة: كيف تولي أمانة القضاء لرجل تسربت منه الأمانة وكان من الكاذبين، وهنا أقسم المنصور بالله علي الإمام ان يتولاه، فأقسم الإمام أنه لن يتولاه، وبعد أن تعطلت لغة الحوار بين الإمام والسلطان، تحرك الديوان وقام بسحل الإمام وجره إلي أحد سجون السلطان وذاق مرارة الذل والضرب بالسياط والركل بالاقدام، وهو يقول »يا إلهي ان لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي.. يا إلهي السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ويساومونني عليه..« هكذا رفض الإمام أن ينافق الخليفة وظل في سجنه حتي مات!! الديمقراطية.. عند فئات الشعب! الأربعاء: يقول الفيلسوف الفرنسي »جوستاف لدوبون« إن الديمقراطية عند العامة شئ، وعند المثقفين شئ آخر، فأول ما يفهمه رجل الشارع عن الديمقراطية هو المساواة، في حين أول مايفهمه المثقفون عن الديمقراطية هو الحرية.. وهذا معناه أن الديمقراطية الحقيقية لا تكتمل إلا بالحرية والمساواة، فلا يكفي أن تكون الدولة ديمقراطية إذا كان فيها صحف ولها برلمان، وتجري فيها انتخابات، ولا يكفي أيضا أن تفرض الدولة مساواة شكلية بين رعاياها ثم تكمم أفواههم، وتقصف أقلامهم، وتحرمهم من التعبير عن آرائهم، وتعلن بعد ذلك أنها دولة ديمقراطية!! والمساواة ليست إلا نتيجة منطقية للحرية، والحرية الحقيقية توجد معها المساواة، فهي ليست إلا تحريرا للأفراد من القيود التي تفرضها عليهم الظروف القاسية التي تحد من إمكاناتهم، والمساواة بينهم في الفرص، فينفتح أمام كل فرد طريق يستطيع أن يسير فيه نحو التقدم، لا يشده إلي الخلف شئ. وتحرير الأفراد من قيود الظروف القاسية، والمساواة بينهم علي هذا النحو يهيئ للناس الفرصة ليجدوا لأنفسهم المنافذ الطبيعية، فيستفيد المجتمع من قوي أفراده وكفاياتهم. وحتي يتحقق كل ذلك لابد من تدخل الدولة، فهي المسئولة عن توفير مستوي معقول من الحياة الكريمة للأغلبية العظمي، فيجدون الغذاء الكافي، والعلاج والتعليم الميسر، ولا تستطيع الدولة أن توفر كل هذه الأشياء إلا إذا أصدرت التشريعات التي تأخذ من الغني وتعطي الفقير، وتحد من سيطرة القوي علي الضعيف. النجاح يؤدي إلي النجاح! الخميس: إن أثمن نصيحة يجب علي الشباب أن يتعلمها هي أن »النجاح عادة وشعور« وأن من يعتاد النجاح ويشعر به، ينجح فعلا.. قام أحد علماء النفس بتجربة طريفة، أحضر عشرين طفلا في سن العاشرة، وفي مستوي واحد من الذكاء، ثم أجري بينهم مباراة تعتمد علي الحظ فقط، ففاز منهم من فاز، وفشل من فشل، ثم أجري لهم امتحانا دقيقا يعتمد علي الذكاء والتفكير بعد هذه المباراة مباشرة، فإذا بالذين فازوا في المباراة الأولي يحرزون في مجموعهم درجات أعلي من الذين فشلوا، وكرر ذلك بالنسبة لغيرهم، فكانت النتيجة واحدة! إن معلومات الاطفال واحدة، وذكاءهم واحد، إنما الذي تغير هو شعورهم بالنجاح وتعودهم عليه، وهذا هو سر ما نلاحظه في الحياة كثيرا، من أن النجاح يؤدي إلي النجاح، فحاول أن تكون كذلك، ولتهتم بالنجاح حتي في الأشياء الصغيرة التافهة، فإنها هي التي ستؤدي إلي نجاحك في الأشياء الكبيرة المهمة.. في غفلة من الزمن! الجمعة: هل الذكاء ضروري حتي يبلغ الإنسان في حياته ما يريد تحقيقه من أهداف، أم ان المثابرة والحرص علي العمل والواجب يمكن ان تكونا بديلا عن الذكاء، فيبلغ صاحبها ما يريد؟ هذه التساؤلات كانت موضوع الحوار الذي دار بيننا- نحن مجموعة من الاصدقاء- كنا نتناول العشاء معا. قلت: إذا راجعنا الأمثلة الواقعية، وجدنا حالات كثيرة تفوق فيها العمل والاحساس بالواجب علي الذكاء ووجدنا حالات كثيرة أخري بلغ الذكاء بصاحبه ما يريد ولو لم يكن مجدا حريصا علي أداء واجبه، وطرحت هذا السؤال: إذا خير احدكم فهل يؤثر الذكاء علي العمل أم يؤثر العمل علي الذكاء؟ قال الأول: أوثر الذكاء لانه يريحني من متاعب العمل.. وقال آخر: بل أوثر العمل لانه متعة، والذكاء هبة ولا أحب ان اتقدم في حياتي بهبة لا فضل لي فيها، ولا جهد! واستطرد: ثم ان الذكاء قد يملأني بالغرور، والغرور قاتل. وقال ثالث: اثرت لو منحت الذكاء وحب العمل.. قال الأول: لا تعطي الحياة كل شئ، إما الذكاء وإما المثابرة والجلد.. انها تعطي بيد وتمنع بالأخري.. وقال الآخر: وما رأيك فيمن لم يمنح ذكاء ولا قدرة علي المثابرة والعمل وادرك في حياته ما لم يدركه صاحب الذكاء أو صاحب العمل؟ قال ثالث: شئ لا يصدق، أليس للنجاح غير هذين السببين، الذكاء أو العمل، أحيانا يكون الغباء هو السبب! وبدت الدهشة علي وجوه الحاضرين وقالوا في نفس واحد: لا يكون نجاحا، ولكنه اختلاس في غفلة من الزمن وكم للزمن من غفلات. شئ جديد في قلبي! السبت: قالت: أشعر بحب عميق للحياة، الحنان، الذي يملأ قلبي يكفي لكي يملأ قلوب الناس جميعا.. ويخلصها من الكراهية والحقد.. أحس انني طائر يحلق في الفضاء.. يرقص ويغني ويغرد.. وان نسمات رقيقة تحيط بي.. وأنوارا من السماء تضئ من حولي.. وأن قلبي ينبض بطريقة مختلفة.. في كل نبضة من نبضاته صوت يردد اسم إنسان.. وهمس يرتبط بروحه.. إنسان رأيته لدقائق معدودة.. ولكن صورته لا تفارقني.. وطيفه يلاحقني في كل مكان وزمان. حاولت أن اقاوم، بل قاومت فعلا.. لجأت إلي القراءة لعلي أجد بين الصفحات مكانا اختبئ فيه بعيدا عنه، فإذا بي أجد صورته في كل كلمة وفي كل سطر وعبارة.. نظرت من النافذة لعل ازدحام الشارع وضجيجه يلهيانني عن التفكير فيه.. أخذت أتأمل وجوه المارة، ولكني لم أر في وجوههم سوي وجهه وملامحه.. يا إلهي ماذا جري لقلبي؟ ماذا حل به؟.. إنني أحس ان في قلبي شيئا جديدا. ولكني لا اعرف ما هو.. وتساءلت هل يمكن ان يقتحم هذا الشئ كياني دون استئذاني.. ويسيطر علي روحي وفؤادي ويتسلل إلي وجودي وأفكاري.. هل يمكن لهذا الشئ أن يهز مشاعري وعواطفي وحياتي من غير أن أراه؟؟ وفكرت في الهرب إلي فراشي لعلي أجد في النوم ملجأ وملاذا.. ولكني ظللت مسهدة طوال الليل.. لم يغمض لي جفن حتي مطلع الفجر.. وفتحت النافذة.. رأيت الشجر يهتز ويتمايل مثلما يحدث تماما لكل ذرة في كياني.. نظرت إلي السماء ورفعت رأسي إلي الله اسأله وأتوسل إليه أن ينقذني مما حل بي، ويطرد عني هذه الهواجس.. ويعيد السكينة إلي قلبي.. والهدوء إلي نفسي.. ويقودني من الخيال إلي الواقع.. ومن الوهم إلي الحقيقة.. ومن العاطفة إلي العقل!! ولكني شعرت أن السماء تخذلني.. وأن هذا الشئ الجديد مازال له السلطان علي قلبي وعاطفتي ووجودي وكياني.. فماذا تسمي هذا الشئ؟ قلت: ميلاد حب جديد!! أفكار للتأمل!! الأحد: الذين يستحقون تمثالا، هم الذين لا يحتاجون إليه!! لو كان الثراء بقدر العمل، لنام الحمار علي سرير من ذهب! اياك ان تتزوج.. عش أعزب.. ثم انصح ابناءك بذلك! في الحب.. كما في الحرب، القلعة التي تفاوض لابد ان تسقط! أعرف رجلا ظل عشر سنوات لا يقبل زوجته، ثم ضرب رجلا آخر لأنه قبلها!! الله يشفي والطبيب يأخذ الأجر! الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يقول إنه ليس حيوانا! الحب هو النجم الذي يتطلع إليه الناس، والزواج هو الحفرة التي يقعون فيها!! الحب كالشوربة أوله حار وآخره بارد!!