لا يستطيع أحد أن يجادل أو يتغافل عن أن ثورة 52 يناير خلقت واقعاً جديداً علي الساحة المصرية. هذا الواقع تمثل في تعظيم إيمان الشعب بقدرته علي الدفاع عن حقوقه بكل الوسائل التي تمكنه من فرض إرادته. في هذا المجال لا يمكن انكار انحراف المجلس العسكري الذي تم عزله عن الالتزام بالمسئولية التي اسندت اليه استجابة لهذه الارادة الثورية التي اسقطت النظام الحاكم السابق. لم يكن غائباً أن مهمة هذا المجلس قد تحددت بناء علي الظروف التي جاء في ظلها بالعمل علي اتخاذ جميع الاجراءات الكفيلة بتنفيذ المباديء التي طالبت بها الثورة وهي عيش وحرية وعدالة اجتماعية. كل الدلائل والتطورات تؤكد أن هذا المجلس ولجنته المنحازة التي أعدت اول اعلان دستوري لم يكن بريئا عندما حاد عن المسار الصحيح ودفع بنا إلي ما نحن فيه الآن. لقد انجر الي توجه لا يتعارض مع مباديء الثورة فحسب وانما ضد موقف رجال القوات المسلحة الذين لم ينفصلوا عن الشعب في رفض عملية توريث الحكم لابن الرئيس بدلا من تبني المجلس العسكري لما يراه الشعب والجيش الذي هو من الشعب. انه تعمد الانحراف عن الطريق السليم في قيادة الوطن متجاوبا مع توجهات غير سوية لم تكن من اهدافها ابداً وضع الوطن علي طريق الديمقراطية الصحيحة. لقد كنا في غني تام عن هذه الفوضي وما صاحبها من انفلات سياسي وأمني وانهيار في كل اوجه الحياة لو كان اداء هذا المجلس قد اتسم بالامانة والوطنية والنزاهة والشفافية. لا سبيل لانكار سلبية ما شهدنا ونشهده من مآس منذ قيام الثورة - التي ابهرت العالم - وأدي سوء الاداء وعدم الاضطلاع بالمسئولية إلي هذه الحالة من الضياع والانهيار. كانت هناك آمال وطموحات كبيرة في أن تبعث الثورة شعب مصر من جديد وتنطلق به نحو آفاق الازدهار واستعادة الهيبة والمكانة ولكنها غابت تماما عن المسرح طوال الثلاثين شهرا الماضية. لا جدال أن الاحداث التي توالت كانت صدمة للجميع اغرقتهم في حالة من الاحباط التي احيت فيهم روح الثورة من جديد. لا أحد يمكن أن يزعم ان الارادة الشعبية التي هي تعبير عن هذه الثورة محور الانتماء للوطن يمكن ان تضل طريقها في الوصول الي أهدافها مهما كانت المعوقات والتحديات.