إن مصر دولة لديها إمكانات هائلة بالإضافة إلي موقعها الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط المضطربة في الأساس, ولكن الشعب المصري يغرق في حالة كبيرة من الاستقطاب الشديد ولابد من تغيير الوضع الراهن وجعل البلاد تمضي قدما في طريق الديمقراطية. ويري العديد من المراقبين الذين نقلت مجلة تايم الأمريكية آراءهم أنه لكي تنتقل مصر نحو الاستقرار وممارسة الديمقراطية بشكلها الصحيح فإن يجب أن تمد يدها للإسلاميين كونهم من نسيج المجتمع المصري, مضيفة أنه برغم حالة الابتهاج الكبيرة في أوساط كثيرة داخل مصر وخارجها حيال سقوط جماعة الإخوان وبرغم أن حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي كانت كارثية في العديد من الأبعاد, إلا أن استبعاد الإخوان من المشهد السياسي كما حدث في العقود الماضية سيجعلهم مرة أخري ضحايا ويكتسبون مكانة لدي شرائح من الشعب كالسابق. فمصر الآن لديها فرصة ثانية بعد قرارات الجيش لوضع الأمور في نصابها الصحيح والعمل علي تضمين الإسلام السياسي في العملية السياسية والسماح لهم للتنافس في الانتخابات. واتفقت معها صحيفة الجارديان البريطانية حيث أكدت أنه لابد أن تأتي المصالحة بين جميع الأطراف والطوائف في مصر قبل عملية الانتخابات, خاصة وأن الاختلافات الأيديولوجية لكل جانب أدت إلي تصاعد حدة التوترات والمشاحنات لدرجة الوصول إلي الكراهية والتي بدورها أدت إلي سلسلة من مظاهر العنف التي لم يعتد عليها المجتمع المصري من قبل, مضيفة إنه عند تحقيق المصالحة الوطنية ستنتصر مبادئ الديمقراطية وستهزم المبادئ الاستبدادية المترسخة داخل النخبة السياسية, مشيرة إلي أن تلك الميول الاستبدادية والفهم الخاطئ للديمقراطية هو ما جعل جماعة الإخوان تخفق في مصر وذلك لعدم قدرتها علي احتضان جميع الطوائف والأفكار والآراء ولم تنجح في بناء توافق وطني حيث رأت الجماعة أن الديمقراطية أن يحصل الفائز في الانتخابات علي كل مقاليد الحكم والسلطة في البلاد وان النجاح من خلال صناديق الاقتراع يخول لهم أن يصبحوا فوق القانون وفوق أي مساءلة عن أي تقصير في الاستجابة لمطالبات أطياف الشعب. وفي سياق متصل حذرت الجارديان أيضا من استبعاد الإخوان من المشهد السياسي إذ يمكن ان يعزز مظاهر العنف والتطرف وذلك لإيمانهم بما حدث في الجزائر في1991 وأنه سيحدث مرة أخري ودائما ولن يسمح لهم ثانية للوصول إلي سدة الحكم, موضحة أن مشكلة جماعة الإخوان المسلمين الرئيسية هي إتقانهم فن ازدواجية الخطاب فمن جانب تعمل علي مخاطبة ومغازلة المجتمع الغربي عن طريق تضمين خطاباتهم بجمل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن جانب أخر تغرس في خطاباتها للفقراء والطبقات البسيطة من الشعب مزيجا من جمل تلهب مشاعر الكراهية وتروج لثقافة الجهاد, ونصحت الصحيفة الإخوان أن يتعلموا من تلك التجربة ومن أخطائهم فيها حتي يستطيعوا تفادي الوقوع في مثل تلك الأخطاء وأهمها اللهث وراء السلطة والسعي المتكرر للاستحواذ عليها. في الوقت نفسه, أكدت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية علي أن الثورات عادة ما يتبعها العديد من مظاهر الفوضي والعنف قبل الوصول علي الاستقرار والهدوء والازدهار الاجتماعي والاقتصادي وربما تفرز ديكتاتورا جديدا قبل أن تصل إلي حاكم عادل, فيما رأت صحيفة الإكونوميست البريطانية أن الشعب المصري بحاجة إلي الاتفاق علي خارطة طريق تضمن عودة بلادهم إلي الديمقراطية وأن الشعب أمامه طريق شاق وطويل ووعر وعليه توخي الحذر حتي يتم إعادة الأمن والطمأنينة داخل كل بيت مصري. ومن جانبه كتب الدكتور أحمد زويل العالم المصري الحائز علي جائزة نوبل للكيمياء والمبعوث الرئاسي الخاص للعلوم في الشرق الأوسط في مقاله بصحيفة هافنجتون بوست الأمريكية أن شفاء مصر يتلخص في ثلاث خطوات تعمل علي توحيد الأمة بعد حالة الاستقطاب الحاد حيث تنقسم مصر بين اثنين من الأحزاب السياسية الرئيسية وهي الأحزاب الإسلامية من جانب والأحزاب المدنية أو الليبرالية من جانب آخر بالإضافة إلي حركة الشباب التي تعد في الوقت الراهن أقوي من الأحزاب الرئيسية الحالية من حيث استخدامها لأحدث أدوات تكنولوجيا المعلومات ودعوتها لانتفاضات الشارع بسبب أحلامهم في العيش في مصر المزدهرة والديمقراطية. وأوضح زويل أن الجيش المصري كان أمام خيارين إما الإبقاء علي مرسي وترك الملايين في الشوارع والبلد تغرق اقتصاديا ويتعرض وجود الأمن الوطني للتهديد مع الفوضي, أو التدخل ووضع البلاد في مسار جديد دون التورط مباشرة في الحكم, ونصح زويل بتشكيل مجلس للنظر في مواد الدستور وخاصة الخلافية في غضون ثلاثة أشهر وينبغي تعديل الدستور بحيث تتحد البلاد بشأن المبادئ الملزمة لمستقبل المجتمع والعمليات الانتخابية التي يجب اتباعها, وثانيا يجب أن تسبق الانتخابات البرلمانية الانتخابات الرئاسية في غضون ثلاثة أشهر أخري وثالثا وهو الأهم إنهاء حالة الاستقطاب الحالي والعنف وتشكيل مجلس رئاسي أعلي ومجلس أمناء علي أن يمثل ثلث هذا المجلس من قبل الأحزاب المدنية, والثلث الثاني من قبل الأحزاب الإسلامية والثلث الأخير من قبل مستقلين وغير مرتبطين سياسيا مع أي طرف, ويجب علي وسائل الإعلام أن ترقي إلي مستوي الحدث وأن تتوقف عن الاستقطاب العكسي والعمل نحو التقارب وليس الاختلاف.