ما أصعب المشهد الذي نراه في مصر, ولسنا في تحديد من هو المخطئ, ومن هو المصيب.. لكننا نحاول أن نقرأ مشهد ما كان المرء يتمني أن يراه أو يقرأه, لأنه في النهاية يخص شعب مصر. أمة يقتل أبناؤها أو فصيل من أبنائها لم يقبل الهزيمة أو يقر بالواقع الذي قد لا يعترف به وفق اقتناعاته وأفكاره, ولكن علي الرغم من ذلك فقد صار أمرا واقعا لابد من التعامل معه, وعلينا ألا نصل بالأمر إلي حد أن يصير وجيعة سوف تطول الجميع حتي هؤلاء الذين سيطرت عليهم فكرة عدم قبول الواقع, وأيضا الذين لم يقبلوا القواعد نفسها التي سنوها والتي قبلوها في يوم من الأيام بالنسبة للنظام السابق. إن ما يحدث في مصر الآن هي ثورة شعب أراد أن يصحح مسار ثورته, وفي الوقت نفسه فصيل يري أن عليه أن يسترد حكمه الذي نقول الصدق ولا نكذب, لم يكن يحلم به, أو أنه كان حلما بعيد المنال, إذ أن تجربتهم مع السياسة والحكم والنظم السياسية السابقة لم تكن علي وفاق, وكانت عبارة عن كر وفر, وكم وقعت عليهم أنواع بطش وظلم وتنكيل, وكثيرين منهم قضوا حياتهم في السجون بعيدا عن أولادهم, لأنهم سلموا بذلك وقد كانوا أسري أفكارهم ومعتقداتهم التي رأوا أنها الحق وما عداهم هو الباطل, ولم يحاولوا أن يطوروا أنفسهم, وظلت الأفكار كما هي, وكانوا قد ارتضوا أن يعيشوا من خلال مهادنة النظم السياسية التي كانت تتمتع بالقوة والقهر, والتي كانت تعتمد في حكمها علي الدولة البوليسية التي تقهر من يخرج عليها, أو قد تري في سلوكه أنه تهديد للحاكم. لذلك كان الإخوان, أقصد الرءوس الكبيرة منهم, دائما في الخارج, ومن في الداخل تتأرجح حياتهم ما بين المهادنة تارة, وما بين سجون ومعتقلات البلد تارة أخري, ولم يستطيعوا في يوم من الأيام أن يصلوا إلي توافق مع النظام السياسي الحاكم في مصر, وقد تصاعد نجمهم السياسي في انتخابات2005 وذلك عندما حصلوا علي88 مقعدا, وقيل وقتها إنهم كانوا يمكن أن يحصدوا أعدادا أكثر بكثير لولا أن الحكومة لجأت إلي تداركها وأوقفتهم, وقد كان ذلك كما قال أحدهم نكاية في النظام, وهناك من رجال الإخوان وهو المرشد العام السابق لهم قد صرح بأن تلك الأصوات التي حصل عليها الإخوان لم تكن تعبيرا حقيقيا عن قبول وحب الشعب لهم, لكنها كانت كيدا في نظام مبارك الذي قد بدأ الشعب يتذمر منه ومن مشروع التوريث. لقد كانت أخطاء النظام السابق وشكله وتراجع شعبيته, وكذلك ممارسته هي التي أوجدت متنفسا للإخوان وأحيا فيهم أمل أن يصلوا في يوم من الأيام لأن يكون لهم دور في الحياة السياسية, وجاءت ثورة25 يناير وقد كانت بالنسبة لهم بمثابة طاقة القدر التي فتحت أمامهم الباب علي مصراعيه لكي ما يشرعوا وضعهم أي لكي ما يصبحوا في موضع شرعي, فبعد أن كانت الجامعة المحظورة والمستبعدة كما كان يطلق عليها, ولكن مع بداية سقوط نظام مبارك قيل عنها بعد ذلك بالجماعة المحظوظة, وقد كانت الظروف التاريخية مواتية لهم فامتطوا الأمواج, وقد كان ما يتمتعون به من تنظيم, وأيضا المسحة الدينية التي كانت عليهم هي التي مكانتهم من أن يصلوا إلي الحكم, وقتها لم يكن حلمهم يتجاوز الحصول علي33% من مقاعد البرلمان هكذا كانوا يعلنون, وأنهم سوف يكتفون بذلك ولن يرشحوا للرئاسة, وفيما يبدو أن ذلك قد كان تكتيكا من جانبهم وقد حصدوا المقاعد في مجلس الشعب ومجلس الشوري المنحلين, ولعل ذلك جعلهم يدركوا أن هذه هي اللحظة الفارقة التي يجب أن يضيعوها, ثم بعد ذلك أعلنوا عن ترشيح رئيس لهم, وهنا بدأ البعض من البسطاء يستفيقوا أو يشعروا بأنهم قد انخدعوا وأوجدت نوعا من الازدواجية لدي البسطاء كيف يكذب هؤلاء الرجال الذين يلقبونهم بتوع ربنا ولم يستطيعوا أن يفرقوا ما بين هذه المسحة الدينية التي ارتبطت بهم لدي البسطاء وبين السياسة أو ما تفرضه قواعد اللعبة السياسية, ومع ذلك وصل الدكتور مرسي للحكم ووقف في ميدان التحرير وهتفت له الجماهير التي شعر أنهم هم مصدر شرعيته, وقال لهم أنتم مصدر الشرعية تمنحوها لمن تشاءوا, وتمنعوها عمن تشاءوا. جاء إليهم الحكم الذي لم يكونوا يتوقعوه, ولم يكونوا مستعدين له, لكنهم رأوا أنها فرصة لن تعود, وقد ولدت بينهم حلم المشروع الإسلامي وحكم الخلافة وإحيائه, ورأوا أنه أقرب إلي الواقع, وهو بالقطع ما لم يكن ينتظره أو يهم الكثير والقاعدة العريضة من المصريين البسطاء الذين كانوا يحلمون بلقمة العيش, ويحلمون بالأمان, ورأوا أن مرسي رجل يمكن أن يرعي الله فيهم, ولكن علي مستوي الممارسة تكشفت الحقائق, وكانت الإخفاقات والأزمات, وبدأت القوي السياسية ترصد ما يحدث ولم تستطع أن تجد أرضية للتوافق معه أو مع جماعته وقادتهم الشكوك تجاه الكثيرين, فبحثوا عن أهل الثقة الذين لم يكونوا يملكون أي قدر من الخبرة للتعامل مع هذه المشكلات التي تمر بها مصر, وقد سارعت أمريكا وباركت هذه الخطوة, وقد حاولوا أن يستغلوا التيار الديني الذي صعد إلي الحكم, وأن يخدعوهم ويصلوا بهم إلي تحقيق حلم أعمق وأوسع, ومخطط صهيوني ثابت الخطي, لذلك حاولت أمريكا أن تبين للعالم أنها مع الإخوان, وقد ابتلعوا الطعم, ورأت أمريكا أنهم الأنسب لكي ما يصلوا أو يوصلوا إسرائيل إلي تحقيق حلمها وتخفيف الضغوط عليها من جانب حماس والمقاومة الفلسطينية, وأنه يمكن تصدير المشكلة الفلسطينية إلي مصر لأنها تعلم الحمية الدينية لدي الإخوان, ومكانة القدس في نفوسهم, وقد حاول البعض أن يصف الإدارة الأمريكية بالغباء, ولكن الأصل أنها ليست سوي مجرد أداة تنفيذية للسياسات الصهيونية, ونحن نعلم أن هذه السياسات الأمريكية إنما تعمل لخدمة المصالح الإسرائيلية, وأنها تصنع في المطبخ الإسرائيلي, ومع علي الرئيس الأمريكي سوي التصديق عليها وتنفيذها. لقد حاول الأمريكان ومن ورائهم إسرائيل, أن يوظفوا الوضع لمصالحهم, وكانوا يعلمون أن الإخوان لن يستطيعوا أن يحكموا دولة في حجم مصر, وأن شخصية مصر وطبيعتها وخصائصها التاريخية والجغرافية لن تقبل ذلك, لذلك فهم قد رأوا أن يصدروا هذه المعركة مع الإسلام السياسي إلي البلاد العربية, وأن ينقلوا ميدانها إلي الدول نفسها, وذلك بالتشجيع أو التغريد والتأييد المزيف لهذه النظم الدينية ذلك ما حدث وهو سبب هذه الوقيعة التي حاولت التصريحات الأمريكية التي تأتي عادة مانعة وغير محددة لكي ما تألب الشعب علي بعضه وهي التي زرعت في رءوس الإخوان بعد ثور30 يونيو أن الشرعية هي صندوق الانتخابات, وهي تعلم تماما أن الشرعية لا يمكن أن تكون علي ذلك النحو في ظل هذه الظروف, وقد نسي الإخوان أن الأمريكان بعد أحداث11 سبتمبر قد قسموا التاريخ وشنوا الحرب علي الدول العربية التي رأوا أنها تشجع هذه التيارات الدينية الذين نفذوا هذا الهجوم, وأنها قد وجدت في أن تصعيد هذه النظم ذات الخلفية العقائدية يمكن إذا ما أحسن استخدامهم أن يأمنوا شرهم, وأن يجعلوهم بذور فناء لوجودهم, وفي الوقت نفسه بؤلبونهم علي بعضهم بعضا فيصبحوا كالنيران التي تأكل بعضها بعضا. ذلك هو المشهد الذي نراه في مصر الآن, وهو سبب وجع شديد في قلب كل مصري يري دماء أبنائه تسيل بيد إخوانهم, لم تكن باترسون التي يري البعض أنها ملوثة تقوم بالدور المرسوم لها وهو الوقيعة ما بين الإخوان وشعب مصر, ولم تمد أمريكا يدها لمساعدة حكومة الإخوان في أزماتها الاقتصادية, ولم تساعدها في الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي الذي لا قيمة له في وسط ديون مصر الداخلية والخارجية وأزماتها الاقتصادية, وأخذت تماطل وتسوف كي ينهار الوضع الاقتصادي. لم يستطع الإخوان أن يقرأوا المشهد جيدا وهم مندفعون نحو الحلم الذي لم يكن سوي خداع ويدركوا أن إسرائيل وأمريكا قد وضعت خطتها للاستفادة من تصاعد التيار الديني علي عاملين, أولهما أن تصل التيارات الدينية إلي الحكم لكي ما تصطدم بشعوبها نتيجة عدم القدرة علي الوفاق معها, والثاني هو الأزمات الاقتصادية, أو الوضع الاقتصادي المنهار, وأنهم بذلك يمكن أن يصلوا إلي تحقيق أهدافهم, وكما أعلن أحد المسئولين في المخابرات الإسرائيلية أن إسرائيل تصبح في موضع طمأنينة مادام هناك تيارا دينيا يحكم في دول الربيع العربي, ووضع اقتصادي منهار فيها. ليت شباب الإخوان يدركوا الفخ الذي ينصب لهم ولمصر لكي ما تسفك الدماء, ويحل الدمار.. حفظ الله مصر من الفتنة والوقيعة وقسوة الوجيعة. دكتوراه في العلوم السياسية [email protected] رابط دائم :