آن الأوان كي ندرك حجم الأخطار التي تحيط بنا..ولانعني فقط القنابل الموقوتة في الملفات الرئيسية والخاصة بفلسطين والعراق ولبنان واليمن فضلا عن الملف النووي الايراني وكلها تهدد بانفجار المنطقة واحراقها, وانما نصل الي ماهو ابعد واعمق واشد بأسا من ذلك كله, عندما تتعرض المصالح المصرية لمحاولة تطويق في بقية دول الخليج والسودان ومنابع النيل, فهل نغض البصر ونواصل الجدل ومتابعة الجدل الصاخب في الساحة الداخلية؟.. الرصد الصحيح لخريطة الصراعات الدولية والاقليمية يشير إلي جوهر هذا الصراع حتي ولو بدأ تحت مسميات واسباب مختلفة بهدف الخداع والتضليل, ولكن الحقائق التي تعترف بها جميع المؤسسات الدولية والجهات ذات العلاقة تؤكد ان النفط والماء سوف يشكلان العنصر الحاسم في رسم خريطة العالم الجديد, لان الحديث عن طاقة بديلة رغم مايحيطه من اهتمام اعلامي لايزال في بداية الطريق مع ضرورة الادراك بالنمو الهائل في استهلاك الطاقة المتاحة حاليا خاصة بعد استيقاظ العملاقين الصيني والهندي ومايترتب علي ذلك في ضوء عدد سكانهما الهائل والقفزات الصناعية بهما والمعتمدة اساسا علي البترول.. اما الماء وهو اصل الحياة فليس هناك اكثر من التحذيرات المتتالية والمتكررة والتي تنبئ بوقوع كوارث نتيجة النقص المتزايد في المياه اللازمة للشرب والزراعة الامر الذي يؤدي الي السحب السريع من المخزون المائي المحدود في بعض الدول وتصل الاوضاع الي ذروتها في المجاعات وظاهرة التصحر في البلدان الاخري.. وليس خافيا ان ادوات البحث العلمي وعمليات الاستكشاف بالاقمار الصناعية والاجهزة الحديثة قد وفرت المعلومات والمعطيات للقوي المتنافسة علي ضمان واحتواء مصادر الطاقة والمياه, وليس خافيا ايضا ان طبيعة التحرك لتلك القوي والدول المتصارعة لا يأتي بين يوم وليلة ولايكون بقرارات مفاجئة وانما تسبق هذا التحرك وبوقت طويل مراحل مختلفة من التخطيط والاعداد ومن ثم البحث عن المبررات التي تقود محاولة السيطرة والاستحواذ.. وهكذا يمكننا القول بأن مانراه الآن علي ارض الواقع قد سبق التخطيط له منذ سنوات طويلة وكان الانتظار حتي تتوافر الاجواء والذرائع والمبررات.. وعلينا ايضا القبول بأن المنطقة العربية قد امتلكت ثروات هائلة جعلتها علي مر العصور مطمعا للقوي الاستعمارية التي تغيرت اشكالها, وبدلا من الاحتلال المباشرنجد اساليب اخري للغزو الاقتصادي والثقافي الهادف الي انتزاع جذور الشعوب وحدودها ليقف الجميع في ساحة العولمة وفق معاييرها ومزاياها الممنوحة للكبار فقط.. وعندما تكاثرت الحركات المناهضة للعولمة وتمسكت بعض الشعوب وخاصة العربية بخصائصها وقيمها واعرافها فضلا عن عقيدتها, جري البحث عن وسائل واساليب جديدة للاختراق ولاحداث التغيير المطلوب... هل نحتاج الي أدلة تؤكد ان غزو العراق لم يكن ابدا لتدمير اسلحة الدمار الشامل المزعومة ولم يكن ابدا لاقامة نموذج الحرية والديمقراطية التي اغتصبت في ابو غريب والحديثة والمقابر الجماعية, وانما جري ذلك وفقا لاتفاق مسبق وقبل فترة طويلة يصرف النظر عن مواقف نظام صدام حسين الذي كان علي وشك الانهيار الطبيعي نتيجة الحصار الخانق.. والسيطرة علي منابع النفط العراقي ومخزونه كان الهدف الذي رددته الجماهير المحتجة علي الغزو ووصلت صيحاتها الغاضبة الي بوش ولكنه لم يعرها اهتماما ومضي في تنفيذ خطته التي ارتدت سلبا عليه واخرجته من البيت الابيض مهزوما.. وخسارة الحرب اي حرب تعني دائما ثمنا باهظا تدفعه الآن الولاياتالمتحدة للفائز من الجهة المقابلة.. وهنا نصل الي السؤال الذي لم يجب عنه احد.. ماذا عن الترسانة العسكرية الايرانية المتقدمة التي تكشف عن اسلحة حديثة وصواريخ تصل للفضاء وكلها لم تهبط من السماء؟.. اليست هناك قوي عالمية ارادت استثمار مغامرات بوش في الحاق الهزيمة لامريكا بشكل يتناسب مع طبيعة الصراع في العصر النووي وبما لايدخل جميع الاطراف في مواجهة من شأنها ابادة الجميع؟. ونعود للثمن الباهظ الذي علي المهزوم دائما القبول به وهو هنا منابع النفط في الخليج وبحيث يضمن المنتصرون الجدد مصالحهم وحصصهم العادلة دون احتكار امريكي سواء للكميات او الأسعار. ولكن الصراع العالمي اتخذ مسارا آخر بسبب التاريخ المشترك الذي يجمع بين إيران ودول المنطقة. تتصرف طهران من منطلقين اساسيين, أولهما تصفية الحسابات القديمة مع الدول التي ساندت صدام حسين في حربه الطويلة معها, والمنطلق الثاني ايقاظ مشاعر تاريخية تجد في الظروف الراهنة فرصة استثنائية لإحياء الامبراطورية القديمة. وبدأنا نسمع عن الاسد الرابض علي الخليج كما تصف وكالة الانباء الايرانية قدرات بلادها في توجيه الاحداث ولهجة تهديد غاضبة غير مسبوقة عندما حاول وزير الخارجية الاماراتي التذكير باحتلال الجزر الثلاث ولائحة طويلة من التصريحات والتهديدات المباشرة إلي دول المنطقة. وهنا يكون علينا الانتباه لخطوط مصرية حمراء تجعل من استقرار الخليج جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري بالنظر إلي التاريخ المشترك والمصالح المصرية المباشرة وهناك وجود الملايين من المصريين في هذه الدول. وإذا كان صحيحا وهو صحيح بالفعل ان مصر تحرص علي عدم الانزلاق في الصراعات الدولية والإقليمية حفاظا علي علاقات متوازنة تخدم المصالح العليا والأمن والاستقرار والسعي إلي احلال السلام في المنطقة وهي ثوابت واضحة لجميع الاطراف, الا أن العبث في منابع النفط قد يشكل إذا ما استمرت بالونات الاختبار كما حدث علي الحدود السعودية اليمنية, وكما يحدث في لبنان وما ترافق مع تطورات خلية حزب الله التي تمت محاكمتها وغيرها من علامات لا تستطيع مصر تجاهلها وتتعامل معها برؤية نافذة وحكيمة وحاسمة يمتلكها بكل تأكيد الرئيس مبارك الذي يشهد له قادة العالم بكل هذه الصفات التي تؤكد انها لم تفرط يوما في حق من الحقوق ولم تساوم علي المصالح العليا للوطن. وبحق الاجتهاد وحده استطيع ان اضيف ان مصر تتابع عن كثب تلك اللهجة الحادة التي تعاملت بها طهران مع التصريحات الاماراتية, وهي تتابع ايضا عن كثب ما كشفت عنه أجهزة الأمن الكويتية من شبكة تجسس تعمل لصالح إيران ومسلسلة طويلة من التطورات التي لا تخلو دولة خليجية من تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة. وعلي نفس المنوال يأتي التوجه المصري للتعامل مع الأحداث المتلاحقة في الجنوب وخاصة السودان التي تشكل العمق المصري بكل ما تعنيه الكلمة من تأثيرات مباشرة ولن تسمح مصر بالمساس بسلامة اراضي السودان ووحدتها تحت أي شعارات كالتي قيلت من قبل في العراق, فالسودان ليس العراق ولن يكون مصيره مماثلا لما حدث في أرض بلاد الرافدين. وبنفس الثقة والثبات والحكمة والحنكة يجري التعامل المصري مع دول منابع النيل ادراكا للمصالح المشتركة التي سوف تفسد مخططات شيطانية تحاول الوقيعة وزرع الفتنة, ولكن الخطوط المصرية الحمراء تبدو واضحة وجلية, وعلي الجميع ادراك ذلك دون لبس او فهم خاطيء. ومصر التي لم ولن تسعي إلي التدخل في شئون الآخرين, لن تسمح بالاقتراب من مصالحها العليا في تلك المناطق التي نكررها عن قصد, وهي الخليج والسودان ودول منابع النيل. الرسالة بالغة الوضوح وبحروف بارزة لمن يغمض عينيه عن حقيقة ساطعة مثل أشعة الشمس. [email protected]