كثيرة هي الكلمات والمصطلحات التي يمتلئ بها قاموس الإعلام العربي عند التعامل مع الأحداث والتطورات المتلاحقة علي الساحة, وابتداء من التاريخية والمصيرية والحاسمة, وانتهاء بالشجب والادانة والرفض القاطع, تتوالي المشاهد التي أصابت المواطن العربي بحالة من الاحباط وعدم الاكتراث بمصداقية تلك الكلمات والبيانات, ولكن الغريب والمدهش حقا اننا بالفعل أمام محطة حاسمة ومهمة ومصيرية وبغيرها من المصطلحات المألوفة مع انعقاد القمة العربية المقبلة في ليبيا.. وإليكم الأسباب..لقد حانت لحظة الحقيقة وسداد الفواتير... انها الرؤية المحايدة للحالة الراهنة بالمنطقة, ولم يعد في امكان اي طرف من اطراف الملفات العالقة والشائكة ان يراهن علي محاولة كسب الوقت او الدخول في تحالفات ومناورات جديدة, فنهاية الطريق تبدو في الافق القريب مثلما تؤكد ذلك جميع الشواهد والتفاصيل. واذا اردنا أن نبدأ بالقضية الاولي بلا منافس والمتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي فإننا نري عجبا, ولأول مرة منذ عقود من الزمان تقف اسرائيل وحدها في مواجهة المجتمع الدولي الذي انتقل من مجرد التعاطف مع الفلسطينيين الي التعبير بصراحة عن حالة الضيق ونفاد الصبر من السلوك الاسرائيلي وقد نكتفي بآخر اللقطات التي صاحبت زيارة كي مون الامين العام للامم المتحدة للاراضي المحتلة وقام خلالها بجولة شملت غزة والضفة وتعرض للاهانة علي يد المسئولين الاسرائيليين الذين رفضوا استقباله بمزاعم الطقوس التي تمنعهم عن ذلك في ايا م السبت, ولكن السبب الحقيقي كانت تصريحات المسئول الاممي الذي طالب برفع الحصار والامتناع عن المستوطنات والاسراع بالدولة الفلسطنية المنشودة الاتحاد الاوربي بدوره يواصل جهوده ويعلن بوضوح رفضه القاطع للمستوطنات وينادي باهمية التوصل للسلام باعتباره ركيزة للامن والاستقرار الدوليين. والرباعية الدولية في آخر اجتماعاتها قبل ايام في موسكو اطلقت تحذيرا شديد اللهجة, وحددت ولأول مرة موعدا نهائيا للسلام المنشود في موعد غايته عامين من الآن.. ونصل الي الاهم من ذلك كله, الي واشنطن حيث الادارة الامريكية والبيت الابيض والتراشق الحاد الرسمي والاعلامي مع اسرائيل علي خلفية الاهانات المتتالية والمقصود من حكومة نتانياهو عقابا علي التزام اوباما وتعهده بإحلال السلام واعادة الحقوق للشعب الفلسطيني خلال خطابه الشهير من القاهرة للعالم الاسلامي. وعلي الرغم من مساعي التهدئة من الطرفين الامريكي والاسرائيلي الا ان واقع الحال يشير الي فجوة تتسع خاصة أن الامر يتعلق هذه المرة بتعهدات قطعها علي نفسه رئيس اقوي دولة في العالم ولا يمكن له ان يتراجع تحت ضغوط حكومة يمينية متطرفة حتي ولو كانت الحليف الاستراتيجي.. وبطبيعة الحال, فإن القصد هنا ليس علي الاطلاق إنتظار ما هو اكثر من الضغوط, لأن لإسرائيل وضعها الخاص ولكن لواشنطن ايضا اساليبها ووسائل تنفيذ اوامرها والي المدي الذي قد يصل بإعادة ترتيب الساحة الاسرائيلية والتحريض للاطاحة بالحكومة الحالية التي لن تتحمل سداد فاتورة الإنسحاب من الاراضي الفلسطينية والسورية من هنا يكون علي العرب سلوك طريق واحد هو التضامن فيما بينهم وعدم وجود ثغرات تعطي مبررات للجانب الاسرائيلي للهروب تحت مزاعم تجيد ترويجها واكثر ما تتمناه اسرائيل الآن ان يسحب العرب مبادرة السلام وان يعلو صراخ البعض بضرورة ازالتها من الوجود وان يطلق البعض الآخر الصواريخ الطائشة والعابثة التي تسبب الخسائر السياسية الفادحة للجانب الفلسطيني ولا تلحق اضرارا تذكر في الجانب الاسرائيلي لذلك فإن التمسك بمبادرة السلام العربية يبقي هو السلاح الاقوي في المواجهة الحالية حتي يظل العالم علي ضغوطة لاجبار اسرائيل علي التراجع والتخلي عن الاراضي المحتلة وصولا الي تحقيق السلام.. ولا يمكن لنا اغفال الشرخ العميق القائم بسبب انفصال غزة عن الضفة والشقاق بين الفصائل والذي يعد ثغرة تتيح لإسرائيل استمرار ممارساتها الضاغطة علي سكان القطاع وحيث تسوء الاوضاع الي درجة وجود مأساة إنسانية كبري تتحمل حماس المسئولية فيها نتيجة عدم توقيعها للاتفاق الجاهز الذي قامت فتح بتوقيعه ولانهاء خصومة غير مفهومة بين ابناء شعب يعيش تحت الاحتلال ويعاني من محاولات مستميته لطمس هويته وتهويد ما بقي من الاراضي الفلسطينية.. ومن الصحيح تماما القول بأن حماس ايضا لم يعد امامها الكثير من الوقت لحزم امرها والمضي قدما علي طريق المصالحة والخروج من الاجندات الاجنبية التي تريدها ورقة للمساومة وهذا يقودنا مباشرة الي ايران التي تحولت الي واحدة من الهموم العربية بل ومن اخطرها, ذلك لأن الثمن الذي تطلبه طهران للتخلي عن برنامجها النووي واحلام الهيمنة وبسط النفوذ في المنطقة هو ثمن باهظ في كل احواله ولا يحتاج الامر الي اسهاب في الشرح, لو وقعت المواجهة. وقامت اسرائيل او الولاياتالمتحدة بضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية فهذا معناه تفجير شامل للمنطقة يعرض جميع د ول الخليج حسب التصريحات الايرانية المعلنة لأخطار فادحة خاصة في ضوء ما تعلنه طهران من اسلحة وصواريخ تثير القلق من اهدافها حتي ولو كانت التأكيدات الايرانية تشير الي انها تحقق فقط توازنا للقوة يحميها من هجوم مباغت ولا تنتهي المخاطر اذا توصلت ايران الي صفقة تحدثت عنها كوندواليزارايس في عهد بوش عندما قالت ان بلادها لا تستطيع قبول الثمن الذي تطلبه طهران والثمن في هذه الحالة سيكون نفوذا ايرانيا مباشرا علي العراق يمتد الي بقية دول الخليج التي تشهد بالفعل اعراضا جانبيه تمثلت فيما حدث علي الحدود السعودية اليمنية من الحوثيين الذين تلقوا دعما مباشرا من ايران بحسب الروايات الرسمية اليمنية, وايضا لا نغفل بعض التطورات الجارية في البحرين حيث تجري التحقيقات حول عمليات غسيل اموال وتجسس لصالح طهران, ولا ننسي بالطبع التصريحات الرسمية علي لسان المسئولين الايرانيين الذين تحدثوا عن البحرين باعتبارها محافظة ايرانية. والتدخل الايراني في شئون المنطقة لا يقف عند هذا الحد وانما يمضي لما هو ابعد من ذلك, الي لبنان الذي يعاني من وجود حزب الله الذي يعطي لنفسه الحق في اعلان الحرب دون الرجوع الي مؤسسات الدولة, ووجود ترسانه من الاسلحة لديه تستطيع تفجير الاوضاع بخطأ في الحسابات وهكذا يكون علي القادة العرب في قمة ليبيا البحث في هذه الخيارات الصعبة وان كان الارجح ان يتم ذلك في اللقاءات الجانبية والجلسات المغلقة مع التأكيد في البيان الختامي علي الموقف المعلن بأن الحل السلمي هو فقط المقبول في التعامل مع الملف الايراني وبدون ادني شك فإن الاوضاع في اليمن والسودان والصومال ستكون علي رأس القضايا المثارة بالقمة, وهي اوضاع واوجاع عربية تهدد هي الاخري بمضاعفات خطيرة ما لم يتحرك العرب برؤية واضحة واستخدام وسائل وادوات يمتلكونها لتغيير الواقع الراهن الذي لا يبشر بالخير. ولعلنا نذكر تحديدا السودان الذي يقترب من انتخابات واستفتاء قد يسفر عن انفصال جنوبه عن شماله وهو الامر الذي سيمثل في حال حدوثه كارثة كبري وسابقة خطيرة تهدد الامن القومي العربي. وازاء تلك الملفات الشائكة والقابلة للانفجار يتعين التعامل بأقصي درجات الحذر, ولذلك فإن الدعوات المعتادة في الاعلام العربي والباحثة عن مفاجآت قد تحملها القمة, هذه الدعوات قد تجد صدي لها خاصة وان القمة تعقد في ليبيا والزعيم القذافي له دائما مواقفه المميزة التي قد تحفز علي تلك المفاجآت ويقينا فإ ن القادة والزعماء العرب وهم الاكثر ادراكا لجوانب وابعاد المشهد الراهن سيكون عليهم التعامل مع واقع عربي شديد التشابك والتعقيد ورأ ي عام ضاغط يبحث عن طوق للنجاة والحلول الفورية, واستراتيجية تدعو الي الانحياز للمصالح العليا التي تقتضي عدم وجود مفاجآت حقيقية خاصة علي صعيد القضية الفلسطينية التي لا تحتاج الي اصوات زاعقة بقدر احتياجها الي عمل متزن يزيد المأزق الاسرائيلي. والامر الوحيد المقبول بالنسبة للمفاجأة ان كان لابد منها ان تعلن حماس صراحة عن توقيت توقيعها في القاهرة علي اتفاق المصالحة, وايضا ان تشهد اروقه المؤتمر بعض المشاهد التي تؤكد تحقيق المصالحة العربية الشاملة مع تأكيدنا ان الحديث عن مصر وسوريا تحديدا لا يعني ابدا وجود خصومة تستدعي المصالحة وانما المطلوب تقريب الجهود وفق معطيات تؤكد ان مصر قد حققت بثقلها وجهودها الدءوبه ما لم تحققه المظاهرات واللافتات وبيانات الشجب والادانة. [email protected]