رفض الشاب الصغير الاستيقاظ من نومه والاستجابة لأشعة الشمس التي تحاول اختراق عينيه وهو ينام في الشارع علي الحصي, وقد اتخذ من الأسفلت فراشا ومن السماء غطاء يلتحف به وتململ ثم تقلب يعدل من ثني ذراعه اليسري والسادة التي ترفع رأسه عن الأحجار علي الأرض وأمامه إصرار الضوء الساخن علي الوصول إلي عينيه الناعسة لم يتمكن من المقاومة واعتدل فجأة, ليصدمه الضوء الكامل بعد طلوع النهار وتلفت الشاب في جلسته كان يحوط به كل جانب عربات الكارو التي يعمل علي أحدها في جمع الخردة من الشوارع والطرقات مع أقرانه بمنطقة العزبة القبلية مأوي بعض الأسر الفقيرة. نهض علي متجها إلي مسكنه وتقبل عتاب أمه علي مبيته علي الأسفلت خارج الحجرة وأنهي استعداداته بتقبيل يديها وتبسم وهو يسمع دعاءها له بالستر. وزاول نشاطه المعتاد في همة وسرعة حتي شارفت الشمس علي المغيب فعاد يحمل النقود القليلة التي تحصل من أحد المعلمين وقبل أن يصل إلي مسكنه جاءه أحد أقرانه برسالة مفادها أن أحد أشهر تجار الخردة يحتاجه للعمل معه بشكل دائم مع زيادة في أجرته لعمله بأمانته وما اشتهر عنه من سرعة وإتقان. تهللت أساريره واتجه عائدا إلي شبانة التاجر المعروف وانتهت المقابلة باتفاق مرض للشاب الصغير. ومرت الأيام بحلوها ومرها ولاحظ علي أن العربة الكارو التي يعمل عليها تتغير أكثر من مرة ووصل إلي مسامعه عبارات فهم من خلالها أن نشاطا مشبوها يستخدم شبانة وصبيانه, طرد علي ماسمعه من رأسه وقررت الانشغال في عمله فقط ولكن الدائرة اتجهت إليه وطلب منه مراقبة احد الطرق مع زميليه لقيام صبيان شبانة بالاستيلاء علي أغطية البلاعات من أحد شوارع حلوان الجانبية... صدم علي ولم يصدق ما يقوله زميله الذي بادره ضاحكا ومعاتبا علي علي اندهاشه, وأكد له أن العربة الكارو التي يسيران بها مسروقة أيضا من التجار بمنطقةأثر النبي بمصر القديمة, إحساس غريب انتاب علي وشعر أنه يختنق وأن هناك من يكتم أنفاسه وعاد يجر قدميه ورقد أمام حجرته ولم ينم ليله وفي شروق اليوم التالي اتجه إلي شبانة وأعلن رفضه العمل وأن يكون أداة في أنشطة مشبوهة استمع المعلم إليه في هدوء ثم بادله بصفعهة علي وجهه وتطاير الشر من عينيه وهو يصرخ فيه محذرا ولكن علي مسح دمه المسال بيده وطلت من عينيه نظرات التحدي وتذكر وصية أمه أن يموت ولا يأكل من الحرام وكانت معارضته في نظر شبانة فعلا يجيب تأديب الفتي فنظر وغمز بعينه بإشارة وصل معناها إلي صبيانه زواوي وابراهيم فتكالبا فوق علي وتمكنا من شل حركته في ثوان, واقتادوه إلي مخزن تابع لشبانة في منطقة المثلث مأوي الأهالي المنهارة مساكنهم في زالزال92 والقو به داخله. ولم يهتز علي وكان يفكر ان ما يفعلونه هو نوع من التأديب المبالغ فيه ولكن الشياطين سحبوا جنزيرا وكبلوه من يديه وقدميه وأقسموا أمامه انهم سيتركونه بدون طعام حتي يموت وغادروا المكان. ظلمة عميقة وسواد من كل جانب أحاط بعلي الذي لم يغمض عينيه منذ ان تركته شلة الشياطين وقف شعر رأسه كلما سمع حركة الفئران والحشرات الصغيرة تجري حوله ثم تتجرأ وتسير فوق جسده المكبل تستكشفه. وحاول أن يفك علي قيده أكثر من مرة ولكن الاشرار كان قفلهم أشد, وعندما اشرقت شمس اليوم التالي دخل عليه شبانة وأعوانه وبصحبتهم حقيبة بها موقد غاز صغير وأشعلاه وصرخ في شبانة في وجهه أن يتمني الموت إن لم يوافق علي العمل معهم وقطع لسانه عما يراه من سرقات ولكن علي قفزت أمام عينيه أمه للمرة الثانية وجهر برفضه الانصياع لأوامر شبانة وهنا أخرج المعلم من الحقيبة سكينا طويلا ووضعه بين لهيب الموقد حتي اضاءت المكان شدة احمراره ونزع صبيانه ملابس علي وكوي شبانة لحمه بالسكين الملتهب انتفض علي وقفز من مكانه ولكن شبانة وأعوانه حرموا من السمع وهربت قلوبهم من اجسادهم وسكن مكانها الحجارة. عرف علي طعم العذاب ومات وعادت اليه الحياة مع كل لسعة تهوي علي جسده العاري واستمرت جهنم فوقه لمدة ثلاثة أيام حتي قرر شبانة نقله إلي مكان آخر لارتفاع صوته من التعذيب وخشية معرفة الجيران مكانه فسار بعلي المكبل بالحديد في ظلمة الليل متجها إلي منطقة أخري في حلوان ولكن شبانة صادفته احدي قريباته العائدة من زيارة مريضة لها. وهنا دفع شبانة علي في مدخل أحد البيوت القديمة حتي لا يراه أحد. جلس الشاب المعذب علي أرض حوش المنزل القديم ووصل إلي مسامعه الحوار الدائر بين شبانة وقريبته وأحس من ابتعاد الصوت أنهما اتجها سويا إلي مكان آخر فتسللت يداه تتحسس الجنزير وفرح عندما تيقن أنه بدون قفل هذه المرة فحرر إحدي قدميه وبدأ صوت شبانة يعود إلي أذنيه فعرف انه متجه إليه فانسل في هدوء وصبر حتي لف حول البيت من الخارج ووقف ينتظر وكتم أنفاسه وتصببت حبات عرقه وهد بعض شفتيه آملا أن يمر أي مخلوق ينقذه من الزبانية, وبعد دقائق اطمأن إلي شبانة اعتقد انه فر من الجهة المقابلة, فتحرك في خطوات بطيئة حتي خرج إلي الطريق فاستوقف سائق أجرة فقص عليه جزءا من روايته فأوصله السائق إلي العقيد علاء عطية مفتش فرقةحلوان الذي كلف الرائد أحمد فرج معاون مباحث قسم حلوان بالقبض علي الجناة وفي أحد الأكمنة تمكن النقيب حسام عبدالعال معاون مباحث حلوان من ضبط المتهمين, وبمواجهتهم أمام اللواء جمال عبدالعال مدير الإدارة العامة للمباحث اعترفوا بارتكابهم الواقعة تم تحرير محضر بالواقعة واخطر اللواء اسامة الصغير مدير أمن القاهرة الذي أمر باحالتهم إلي النيابة.