نظرت ندي إلي السماء وشعرت وكأنها ارتفعت إليها وبدأت تتحرك وسط السحاب وهي تستمع إلي زميلتها ميادة التي سيطرت علي لبها تماما, وهما تستندان إلي شجرة وارفة في فناء المدرسة تجاور حوض زهور داست الأقدام زروعه. استمرت ميادة17 عاما تنسج الحكايات عن حبيبها الذي تخرج معه, وبماذا يهمس لها من كلام الحب المعسول والذي شعرت معه وكأنها تحلق وسط النجوم وكيف كانت تبادله حبا بحب وهمسا بهمس وما ذكره لها من وعود عن عشهما الصغير الذي سيجمعهما بعد الزفاف وكيف ستنهمر فوق رأسيها الورود وأوراق الزهور المفتتة يلقيها الأقارب والأحباب والأصحاب.. وكلما اعترضت ندي علي جملة أو كلمة من صديقتها وبأنها لا تليق, ترد عليها: بأنه عادي. وبالرغم من شكها في أن صديقتها تكذب عليها في كثير مما ترويه, إلا انها راقها الكلام وعاشت تحلم به, وهكذا أمضت ندي الأيام. تعيش فيما سمعته بجوارحها وتزور نفس الأماكن فقط تضع نفسها مكان صديقتها وتسبح بخيالها الجامح فيما سمعته منها, وما وراء الكلمات من معان دفينة, تلهب مشاعرها الخضراء وترسم في مخيلتها صورة الحبيب فارس الأحلام واستمر الحال.. الزميلة تختلق الروايات يستقبلها وجدان الحالمة.. تنام عليها نهارا وتداعب خيالها ليلا, حتي كانت احدي زياراتها لاقربائها بمنطقة حلوان في أحد محلات بيع الهواتف المحمولة. تعرفت علي مندوب مبيعات مرسي حاصرها بالكلام المعسول المصحوب بابتسامة مشرقة التي طالما تاقت إليها وعاشت في حلمها.. وتسلل إليها صوت زميلتها فاستعذبت كلماته وأعطته الضوء الأخضر للاتيان بالمزيد.. وكلما زاد دق قلبها منذرا بأن ما تفعله خطأ ومغامرة غير مأمونة العواقب وتحفها الأخطار.. وبلباقة أوقفت دفة الحديث العذب بالاتفاق علي أول ميعاد, وطارت عائدة إلي بيتها لا تري مواضع قدميها واختلط ما سمعته من الشاب مع روايات زميلتها.. وبعد فسحتين ومكالمات تليفونية ليلية تخللتها كلمات كانت تراها ندي أنها أشبه بالرائحة الزكية التي تلف الرءوس وتملك الوجدان. استطاع مرسي اقناعها بالذهاب معه إلي مسكنه لقضاء بعض الوقت الممتع.. فطاب لها الانغماس في طيات المغامرة.. وذهبت معه إلي مسكنه وصعدت معه حتي الدور الثامن, وبمجرد دلوفها الباب ظهرت أنياب الشيطان المخيفة قائلا: أهلا بك. فنظرت إلي وجهه فرأت عينيه تلمعان نظرت خلفها.. فشعرت بالرعب بعد أن شاهدت رجلين يتبادلان النظرات بلغة عرفت ما تعنيها علي الفور, فهربت الدماء من عروقها منهارة علي كنبة بمقربة من يمناها, وشعرت أن الأرض تميد بها وسقف الحجرة يقترب منها بهدوء هابطا يكتم أنفاسها المتسارعة ولم يسعفها لسانها الملتصق بحلقها بأي استغاثة وشعرت بالرجلين يجلسان بحيث تكون بينهما, فتلفتت ترسل بعينيها رسالة رجاء ولجوء.. إلي عيني الحبيب المزعوم.. الذي زاد من ابتسامته حتي ظهرت نواجذه, وهو يقول سنقضي وقتا ممتعا كما تريدين فاستجارت بالله في أعماقها تطلب النجاة, وتمالكت أنفاسها وهي تشعر باقتراب أحد الرجلين من جسدها بشكل غريب فهبت واقفة وهي تصيح فجأة سأدخل إلي الحمام وأعود. فانفرجت اساريرهم وتركوها تذهب, وفي الحمام شعرت أن دقات قلبها تضرب الجدران من الخوف ومدت يدها تفتح النافذة الوحيدة في المكان وشعرت بالهواء يدخل منها يخلع ضلوعها عنوة وخرجت عيناها من مقلتيها رعبا وهي تفكر فيما ينتظرها. ولكن حب الحياة بسمعة طيبة بين الناس كان دافعا لجذبها خارج النافذة والقفز بدون تردد ولسان حالها يقول إذا مت فسأكون بكرامتي وإذا عشت فسأعود إلي ميادة لافتح لها عينيها المغلقتين باتساع.. وسبحت في الهواء لتصطدم بسطح الدور الخامس لأحد المنازل المجاورة.. وفي المستشفي وفوق أحد الأسرة حيث هبطت ندي من السماء ولم يبد منها الا عيناها خلف الشاش الطبي تتجول بهما وتتفرس الوجوه حولها وهي تسمع الممرضات يقلن ان المتهمين الثلاثة أمرت النيابة بحبسهم وتحققت أنها بالفعل علي الأرض وليست في السماء. وبقيام مدير المستشفي بابلاغ اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة أمر المقدم حازم سعيد رئيس مباحث قسم شرطة حلوان بالانتقال إلي المستشفي سماع أقوال المجني عليها ليتمكن العقيد سعيد رجب وفريق من رجال المباحث من ضبط المتهمين وبمواجهتهم اعترفوا بفعلتهم وباخطار نيابة حلوان أمرت بحبسهم علي ذمة التحقيق.