ضوء

برتقالي ساطع

الشمس خلف الخصاص
تموتُ الشمسُ التي كانت علي حافةِ الكرسيِّ فجأةً ، وأنا أتلفَّتُ ، ملابسي ملقاةٌ علي طرفِ السَّريرِ ، وحين ينفتحُ البابُ الحديديُّ الكبيرُ ، سنري صورةَ الملكِ المحنَّطِ علي السّريرِ الأبيضِ ، وعندما تصلُ "البيتزا" متأخرةً نلتفُّ حولها ، وأعيدُ توزيعَ الفناجيلِ فوق الصينيةِ المعدِنِيَّةِ اللامِعةِ ، فهَلُّموا إلي النكهةِ الشرقيَّةِ الكثيفةِ ، ارشفوا ، ثم انظروا في المرِبَّعِ المضيءِ في أعماقِ النفق : سترون القضاةَ يفُكُّون الأحرازَ ، وهنا سيتأكد لكم أن الشوارع تصبحُ أكثرَ اتساعاً تحت ضوءِ الشَّمسِ ، وأن كلَّ شيءٍ متاحٌ في الحُلمِ ، كما يمكِنُنا أن نسمعَ الضَّجةَ التي تحدِثُها الأرضياتُ الخشبيَّةُ عندما يتَجَمَّعُ الأولاد ، وبينهم الصبيُّ الذي يتَباهي بين أقرانِهِ بظهورِ شَعْرَةٍ طويلةٍ في عانتهِ ، كان يمدُّ يَدَهُ ممسكاً بالشَّعْرَةِ ، والشمسُ تتَدَفقُ من خلالِ الَخصاصِ ، والشبابُ يتحرقون من أجلِ تسليمِ البلادِ لسلطةٍ مَدَنيَّةٍ ، وكلُّنا نتناقشُ ، فيقولُ كلُّ واحدٍ جملةً كأنه يضعُ حَجَراً من أحجارِ الدومينو ، ويستطيع أيُّ واحدٍ أن يَلْمَحَ النارَ المُعتِمَةَ في شفاهِنا ، ولكن عندما مرت المرأةُ الجميلةُ من أمام المقهي حَدَّق نحوَها كلُّ الجالسين ، حتي صديقي التشكيليّ الذي يحِبُّ أن يُلَوِّنَ باستخدامِ السِّكينِ فيُثري السَطحَ ، ويعدِّدُ اتجاهاتِ الخطوطِ ويجعلُها تخشوشِنُ ، وعندما بدأت العربةُ تهدئُ من سرعتِها ، أخرج السائقُ ذراعَهُ من النَّافذةِ التي إلي جوارِهِ وحيّا صديقَهُ الجالسَ علي المقهي ، وأنا لا زلتُ واقفاً ، أنتقي الصحفَ من فوق القفصِ الجريديِّ المقلوبِ ، بينما أتبادلُ الرناتِ أنا وحبيبتي التي إذا تأخرتُ عنها ، تبْعَثُ لي بكلِّ هذا العِتابِ القاسي .
أقفاص مقلوبة
أحسُّ بالجوعِ حتي في لحظاتِ الإشباعِ نفسِها ، والوسادةُ انضغطتْ بسببِ احتضاني القويِّ ، والجَرَّاحُ يُدْخِلُ الإبْرَةَ المُقَوَّسَةَ في فرْوَةِ الرأسِ ، ويَسْحَبُها من مكانِ بروزِها بجفْتٍ ناعمٍ ، ثم يَعْقِدُ عقدَةً علي طرْفِ الخَيْطِ ، ويمسِكُ بالإِبْرَةِ والخيطِ ويشدُّهما لأعلي ، ثم يبحثُ عن المِقَصِّ في طبقِ الغِيارِ ، فيهرُبُ النومُ من عيني ، ويَشْتدُّ حزْنُ حبيبتي ، من أجلِ صديقَتِها القِبْطِيَّةِ التي فقَدتها في "بِرْكَةِ السَّبع" .
أحياناً تأخُذُ الأحْجارُ صورة عُشِّ الغراب ، حول الإسفلْتِ المُلَوَّثِ بدماءِ المتظاهرين ، وفي لمحِ البصرِ تمتدُّ أقفاصٌ مقلوبةٌ ، يبيعون فوقَها السِّواكَ ، والعطورَ والبخور ، وأقفاصٌ يبيعون فوقها العطارةَ التي تُعالجُ الكُحَّةَ والعِنَّةَ وحَصواتِ الكُلي ، وأقفاصٌ عليها لُعَبُ الأطفالِ البلاستيكيَّةُ ، وملابسُ النِّساءِ الداخليَّةُ والأدواتُ المنزليَّةُ ، وفي أعلي المَيْدانِ يافطةٌ قماشيَّةٌ عملاقَةٌ : نريدُ انتخاباتٍ حرَّةً نزيهَةً .
رجلٌ يفتحُ الجريدةَ التي اشتراها تواً ، ويدفنُ رأسَه فيها ويسيرُ متباطئاً ، متجهاً للبيتِ ، حيثُ المراهقَةُ الحُلْوةُ في حُجْرةِ النَّومِ ، بَدَتْ كراقصةٍ ، وهي تدورُ مئةً وثمانين درجةٍ بقميصِ نومِها الذي يَتَعَلَّقُ بحمالتين دقيقتين مُظهراً كتفين ناعمتين بضتين ، وكانت كلُّ الناسِ قد طلبتْ بالفِعْلِ عَلانيَّةَ الجلساتِ ، أما الأبُ فقد كان يحملُ طفلَهُ المُبْتَسَرَ ، ويجري بين المستشفياتِ للبحْثِ عن حضَّانة .