هناك عدوان حقيقي علي الأقباط ولكن من بعض السفهاء في المجتمع واحد اتنين سرجي مرجي.. انت حكيم وللا تمرجي.. أما حكيم الصحية.. العيان اديله حقنة.. والمسكين اديله لقمة. يارب أزورك يانبي.. يا اللي بلادك بعيدة.. فيها أحمد وحميدة.. حميدة ولدت ولد.. سميته عبدالصمد مشيته ع المشاية.. خطفت راسه الحداية.. حد حد يا بوز القرد هذه هي الأغنية الشعبية التي بدأ بها الروائي خيري شلبي روايته الأخيرة إسطاسية.. وإسطاسية هذه امرأة مسيحية قتل ابنها الوحيد ولم يعرف من الذي قتله فظلت تنعيه هي بطقوس وبكاء مرير كل يوم لمدة خمس سنوات حتي تحقق لها حلمها ونزلت العدالة والقصاص الإلهي علي من قتلوه.. أراد الروائي من خلال هذه الأغنية التي بدأ بها روايته أن يجعل القارئ يعيش جو القرية وليقترب أكثر من عالم الريف.. وعن الرواية وأحداثها وإذا ماكانت مرتبطة بحدث معين أم لا.. التقينا الروائي الكبير ليتحدث عنها فكان هذا الحوار التالي: * لماذا بدأت الرواية بأغنية شعبية قديمة وبيتي شعر رثاء لبيرم التونسي؟ ** حطيت علي القلب أيدي وأنا بودع وحيدي.. واقول اسعفيني ياعين وبالدمع جودي.. وهذه كانت اغنية كتبها بيرم التونسي رثاء في ابن الشيخ زكريا احمد.. قصدت من هذا أن يعيش القارئ معي مود القرية وحياة الريف والفلاحين واستحضار جو ملائم قبل الدخول في قراءة الرواية.. كما أنها كانت معبرة عن وضع إسطاسية التي قتل إبنها الوحيد. * لماذا اخترت إسطاسية بطلة للرواية وعنوانا لها؟ ** هي إمرأة تسكن بقريتي وكنت أراها دائما حزينة ولما سألت عن سبب حزنها قال أهل القرية لقد قتل ابنها الوحيد ولا أحد يعرف من الذي قتله.. فجاءتني فكرة الرواية واستحضرت ادواتي وخرجت رواية إسطاسية المرأة القبطية التي لجأت إلي الله بالدعاء فكانت تقيم طقوسها كل يوم بعد صلاة الفجر تبكي وتنوح واستطاعت فرض الحداد علي القرية بأكملها إلي أن تحققت العدالة واقتص الله ممن قتلوا وحيدها. * هناك إيحاء بأن هذه الرواية كتبت الآن بسبب العلاقة المتوترة بين المسلمين والمسيحيين؟ ** ليس هذا.. بالعكس الرواية ابرزت ثقة المسلمين في صدق المسيحية حيت شعر أهل القرية بالخوف من دعاء إسطاسية ويقينهم أن الله سيستجيب لها وهذا يعكس إيمان المسلمين بالدين المسيحي والمسيحية.. كما أنها تثبت ايضا أن أي خلافات بينهم ما هي إلا خلافات وهمية لا أساس لها من الصحة ولابد وأن تعود العلاقة إلي رشدها. * لقد صورت إسطاسية وكأنها قوية جدا لدرجة جعلتك تلمح أنها تحمل جزءا من الإلهية حين استجابت الطبيعة لنواحها فكانت الغربان والطيور تحلق فوقها والمطر ينزل أثناء طقوسها؟ ** لم أقصد هذا تحديدا وانما أردت توصيل مفهوم العدالة للقارئ والتركيز علي دعوة المظلوم وخطورتها.. فلأنها مظلومة وتحترق لموت ابنها جاءت دعوتها مستجابة.. والقصة كلها مبنية علي إنها إنسانة اتجهت إلي الله لتحقيق العدالة والقصاص ممن قتلوا ابنها. * ظهرت الرسالة التي تود إرسالها للمتلقي من هذه الرواية وكأنها رسالة مؤقتة خاصة بالظروف التي تمر بها مصر الآن من أحداث وفتن طائفية.. ما رأيك؟ ** رسالتي هي قضية العدالة وهي قضية خالدة ليس لها علاقة بزمن أو وقت محدد.. أردت أن أقول من خلال روايتي أن العدالة لابد أن تتحقق سواء بحكم القضاء البشري أو بحكم العدالة الإلهية.. وصاحب الحق هو دائما قوي إذا وعي حقه وأصر عليه. * هل قصدت عمل مصالحة بين المسلمين والمسيحيين من خلال الرواية؟ ** المصالحة قائمة اصلا ولا يوجد خلاف.. والظواهر الموجودة حاليا ما هي إلا ظواهر جنونية اساسها ضيق الناس بالحالة الاقتصادية والبطالة.. وقد كشفت الرواية هذا الكلام.. وعلي كل.. هناك عدوان حقيقي علي الأقباط ولكن من بعض السفهاء في المجتمع.. وما يفعله السفهاء يأخذ هذا الشكل الكبير ويظهر وكأنه فتنة طائفية.. فهي ظواهر جنونية يقوم بها بعض السفهاء والخارجين عن القانون الضائقون بالحياة فيضربون في المقدسات لأحداث فتن قد يستفيدون هم منها. * أظهرت بالرواية أن معظمن تجليات الفساد الموجود بالرواية مستورد من السعودية.. ماذاكنت تقصد..؟ ** الذين ذهبوا إلي السعودية وظلوا بها لسنوات عديدة يجمعون الأموال جاءوا بعد ذلك لينشروا الفكر الوهابي والتطرف الديني وهذا ما أقصده؟ * الرسالة يشوبها بعض الغموض والنفعية.. والنفعية أعني بها أن عينيك كانت تنظر إلي الدراما أو السينما وأنت تكتب, ما ردك؟ بالعكس.. لا افكر في الدراما لأن رواياتي معظمها لا يصلح للدراما التليفزيونية.. أما السينما فمن الممكن ورغم هذا لم انظر للسينما وأنا أكتب.. ولو فكرت في هذا وأنا اكتب لتأثرت الرواية وخرجت ضعيفة.. لقد كان هدفي كتابة رواية خاضعة لعمق الموضوع مفهوم الرواية ولو كانت السينما أمام عيني وأنا أكتب كنت كتبتها سيناريو من الأساس. * البعض قال ان الرواية تعد بكاء صامتا حراقا علي حال مصر.. هل هذا صحيح؟ ** فعلا.. مصر الآن تشبه عربية وغرزت في مستنقع وتحتاج لمن يساعدها لإخراجها مما هي فيه.. وتحتاج إلي آلة رافعة تنشلها وقوة جبارة من كل الناس.. من الشعب والجمعيات الأهلية والأحزاب والمثقفين والفلاحين والعمال. * ما الدافع الذي جعلك تكتب في هذا الموضوع تحديدا في هذا الوقت؟ ** لا يدفعني شيئا للكتابة غير الكتابة نفسها.. عندما تأتيني الفكرة اكتبها بدون تردد وبدون دوافع أخري. * كثرت المطالبة بمصادرة الأعمال الأدبية وكانت آخرها المطالبة بمصادرة كتاب ألف ليلة وليلة.. مأرأيك في هذا وكيف يعمل المبدع في ظل هذا الارهاب الفكري الذي يحاصره من كل جانب؟ ** هذه المرة تحديدا إذا لم يتضافر المثقفون لمواجهة هذه الهجمة الشرسة والظلامية التي كادت تحاصرهم من كل جهة فهم احرار وبهذا نكون قد دخلنا في النفق المظلم الذي لا خروج منه علي الاطلاق ومن المنتظر في المرة القادمة أن يأتي من يغير في كتب الثانوية العامة لأن بها ما يخدش الحياء.. واعتقد أن الدعوي المرفوعة لمصادرة كتاب الف ليلة وليلة هي إطلاق رصاص علي العقل المصري.. وعلينا أن نرد علي الرصاص بالمدافع الفكرية. * وبرأيك ما الهدف من ذلك؟ ** الهدف هو تقزيم مصر أكثر مما وصلت إليه.. ألم يعد يكفي تقليل دورها في المنطقة والمساعي التي يقوم بها آخرون للاستيلاء علي دورها ومكانتها وضياع هيبتها ورصيدها أمام العالم حتي لم يعد يبقي لها من رصيد سوي اصداء من ذكريات باهتة عن الفن والثقافة.. مصر مستهدفة ولابد من وقفة. * النخبة المثقفة.. هل تتحمل جزءا مما وصلنا إليه؟ ** اشك في أنها بريئة.. لأن المحامين الذين رفعوا القضية هم محسوبون علي النخبة المثقفة.. والحقيقة كلمة النخبة الآن اصبحت كلمة واسعة ومزعجة وحين اسمعها اتحسس مسدسي كما قال الكاتب الانجليزي.. القوة القادمة قوة بشعة ومدمرة وقد تفعل شيئا. * ماذا تعني الترجمة لخيري شلبي؟! وماذا تعني ترجمة الأدب العبري لك أيضا؟ ** لا أمانع في ترجمة الأدب العبري والفكر العبري.. لمصلحة من الحجر علي العقل المصري فيما يختص بالعدو الإسرائيلي.. هل معني عدم التطبيع أن أغلق الأبواب علي نفسي فيعرف عدوي كل شئ عني وأنا لا أعرف عنه شيئا.. هناك مؤامرة علي العقل البشري.. لابد وأن اقرأ العقل والفكر الإسرائيلي. لابد أن الاحقه وبسرعة.. إذا خرج له عمل اليوم اترجمه أنا غدا حتي اعرف ماذا يخططون لنا.. اعتقد أن هناك خوفا من بعض الجهات لاتريد أن نترجم حتي لا نعرف مدي علاقتهم.. وأنا أدعو جميع الجمعيات الأهلية إلي تكسير ما يسمي بالتطبيع إذاكان ضد الترجمة.. وليس معني كلامي هذا أن اقيم معهم علاقة من أي نوع ولكن الترجمة ليست لها علاقة بالتطبيع.. نحن لدينا غوغائية ثقافية ومتاجرة بشعارات لا تتيح الفرصة للتفكير الهادئ والوصول إلي مفاهيم واشياء محددة للاسماء حتي نتعامل مع الاشياء بأسمائها الحقيقية.. وللعلم من يرفعون اصواتهم احتجاجا علي التطبيع هم أقل الناس وطنية.. نحن واقعون تحت مؤامرة متخلفة بحيث يظل العدو الإسرائيلي لنا مجهولا ونظل نحن خاضعين لسجن داخلي يمنع عنا المعرفة حتي يفاجئنا العدو بمصائبه.