أحاسيس متباينة.. ورغبة في الابتعاد عن المشهد برمته.. وربما الهروب من واقع مرير ومشهد ضبابي يكتظ بالمصطلحات السياسية الزائفة التي لا يجد فيها المواطن البسيط سوي مزيدا من التعاسة والهموم التي تضاف علي أعبائه اليومية.. وبعد أن عرف الشعب المصري بروح الدعابة والمرح حتي في أحلك اللحظات فارقت الابتسامة وجهه بغير نية للعودة فقد شاب الصبي وهرم العجوز بعد أن أصابهم مرض اكتئاب السياسة.. من هنا توجه الأهرام المسائي إلي المتخصصين في مجال علم النفس والاجتماع من أجل تقديم روشتة قد تخفف من حالة الإحباط والتشاؤم التي أصابت السواد الأعظم من المواطنين.. في البداية تقول إيمان محمود ربة منزل- إنها باتت يسيطر عليها الخوف الشديد من المستقبل, فهي تري الظلام يخيم علي المشهد بسبب الأحداث المتجددة يوميا والتي تتسم بمزيد من الاضطراب والتشتت سواء علي مستوي التعامل بين المواطنين أو الساسة, مشيرة إلي أنها أصبحت تجد راحتها في مقاطعة الأخبار السياسية والعزوف عن متابعة الأحداث. وأكدت سيدة محمد موظفة أن الاكتئاب أصبح يسيطر علي الكبير والصغير والحاكم والمحكوم, حتي إذا ما ظهر بصيص أمل فإنه سرعان ما يختفي بسبب الفوضي العارمة في الشارع المصري, فضلا عن اتساع دائرة الخلاف بين الحزب الحاكم والقوي المعارضة ومن ثم بقاء الوضع كما هو عليه, النفسية سيئة إلي أبعد الحدود, بهذه الكلمات بدأ سمير بحيري موظف علي المعاش حديثه, مشيرا إلي أن من أحد أخطر انعكاسات المشهد السياسي الملتبس, هو إصابة ثلثي الشعب المصري بحالة تخبط وتباين في المشاعر وعدم القدرة علي التمييز ما بين الصالح والطالح, ومن ثم الشك في القدرات العقلية ما يقلل ثقة الإنسان في ذاته ويمثل عبئا نفسيا ثقيلا. وقال دكتور عبد الغفار عبد السلام طبيب : توجد العديد من علامات الاستفهام التي تدور في أذهاننا و لا نجد لها إجابات وافية.. فجميعها مبررات وتفسيرات غير مقنعة, لافتا إلي أن الشعور بوجود يد تعبث بالوطن وتختلس مقدراته دون القدرة علي تحديد مصدرها أو ردعها, يحدث حالة من الكبت والعجز الشديد لدي المواطنين وتحملهم فوق طاقاتهم. وأشار أشرف إسماعيل موظف إلي أنه يتمتع بحالة اقتصادية جيدة إلي حد كبير, إلا أنه غير سعيد لأن راحة البال تتمثل في العيش في ظل مجتمع آمن ومستقر ما يؤهله للتخطيط نحو المستقبل والاستفادة القصوي من طاقاته, إلا أن المجتمع المصري يفتقد الاستقرار حتي في أبسط صوره, لافتا إلي أن السبيل الوحيد لتجديد الأمل نحو المستقبل هو غض الطرف عن الصراعات السياسية وتغيير الشعب المصري علي أن يكون أكثر إيجابية ولديه الرغبة في العطاء ومساعدة الآخر قبل التفكير في المصالح الشخصية, فهذا الجو من الألفة والتعاون من شأنه أن يهون الكثير من الصعاب التي بلغت ذروتها في الفترة الحالية. الشعب أوشك علي الإنفجار بهذه الكلمات نوه كرم محمد موظف إلي أن الشعب المصري تحمل الكثير من الضغوط ولايزال صابرا حتي الآن, إلا أنه لا يمكن أن يتحمل هذا الوضع كثيرا, فلابد من الإنفجار يوما ما إذا لم يجد المسئولين مخرجا للأوضاع الصعبة التي نعيشها. وأوضح أيمن حسين موظف أنه مل الحديث في الشأن السياسي بلا جدوي, والذي بات يقتصر علي تبادل الاتهامات والتراشق بالألفاظ دون إيجاد حلول للخروج من الأزمة, لافتا إلي أن وضع البلاد دفعه للتفكير في السفر للعمل بالخارج بعد أن فقد الأمل في تحسن الأوضاع وتحقيق الاستقرار. ومن جانبه أوضح دكتور سمير عبد الفتاح أستاذ علم نفس سياسي وعميد المعهد العالي ببنها أن نسبة الإصابة بالأمراض النفسية زادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة, ولاشك أن السياسة هي الراعي الرسمي لهذه الأمراض كالاكتئاب والتوتر والإحباط الذي يعم الغالبية العظمي من المواطنين, فضلا عن الشعور بافتقاد الأمن الذي يمثل أحد أهم الاحتياجات الإنسانية لإحداث التوازن النفسي في الحياة. وأضاف أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة والتخفيف من حالة الاحتقان الشديدة لدي المواطنين يتمثل في تحرك المسئولين وإيجاد سبيل للتوافق بين القوي المتناحرة والذي من شأنه تهدئة الأوضاع المشتعلة. وينصح دكتور مصطفي فهمي أمين صندوق الرعاية المصرية للطب النفسي أنه في حالة وجود أعراض خطيرة كالرغبة في العزلة واضطرابات النوم وفقدان الشهية بسبب الضغوطات التي تشمل الظروف السياسية السيئة للبلاد, فيجب الحد من الإنغماس في متابعة تفاصيل الأخبار السياسية التي تعد مصدرا للإزعاج, علي أن يتم الاكتفاء بالأخبار الرئيسية فقط من أجل مواكبة الأحداث, مع إيجاد أنشطة بديلة كالإندماج وتفريغ الطاقات في العمل, أو تخصيص أوقات للتنزه والاسترخاء من أجل الحد من التفكير. وأكدت عزة هيكل أستاذة الأدب المقارن والمحللة والناقدة- علي ضرورة تعزيز ثقة المواطنين بأنفسهم وقدراتهم علي تجاوز الصعاب, وخير دليل علي ذلك أنه رغم الأحداث المؤسفة التي مرت بها مصر إلا أنها لم تنهار, بسبب حرص الكثيرون علي مواصلة مسيرة العمل والإنتاج وتحدي كافة الظروف المتمثلة في التظاهرات والوقفات الاحتجاجية وقطع الطرق, مما يؤكد أن الشعب المصري يمتلك عزيمة وإرادة حديدية. ويري عبد الحميد زيد أستاذ اجتماع سياسي بكلية الآداب جامعة الفيوم- أنه رغم صعوبة الموقف وقسوة الأحداث التي نمر بها, إلا أنه لابد من تطويع هذه الأحداث بما يعود بالنفع علي المواطنين, من خلال تحويل نظرتنا للأحداث من مصدر لليأس وفقدان الأمل إلي مصدر لتوعية المسئولين والمواطنين بمشكلات المجتمع وتفاقم بعض الظواهر الدخيلة عليه كالعنف والانتقام من أجل تلافيها, لافتا إلي حادث المحلة الذي طبق فيه عددا من المواطنين حد الحرابة علي إثنين من البلطجية, والذي كان بمثابة جرس إنذار للتوعية بضرورة عودة الشرطة وهيبة القانون. ولفت الشيخ يوسف البدري داعية إسلامي- إلي الظروف غير الطبيعية التي تمر بها البلاد والتي تعد ابتلاء من الله عز وجل, داعيا جموع المواطنين إلي الرضا بقضاء الله وقدره وفهم طبيعة المرحلة الانتقالية الحالية والتحلي بالصبر لأن اليأس ليس من شيم المؤمنين, مشيرا إلي قوله تعالي: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون, فضلا عن ضرورة التقرب إلي الله والمثابرة علي العمل إلي جانب الدعاء من أجل انقشاع الغمة, مع اليقين بأن الله لن يهلك هذه الأمه أبدا. رابط دائم :