سيظل التاريخ يذكر نجاح المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا في تحقيق المصالحة الوطنية في جنوب إفريقيا عقب تولي الحكم1994 كأول رئيس أسود بعد3 سنوات من خروجه من السجن الذي قضي فيه27 عاما لمقاومته للتمييز العنصري. وكان مانديلا عبقريا في الابتعاد التام عن الإقصاء والثأر السياسي والبطش بمخالفيه في الرأي ومعارضي سياساته وفتح قنوات رسمية تحت مسمي لجنة الحقيقة والمصالحة كان أهم قراراتها العفو التام عن849 شخصا ودمجهم في المجتمع للمشاركة في إعادة بنائه وبتلك المصالحة أصبحت جنوب افريقيا درة تاج القارة السمراء. أما نحن في مصر فقد أبهرنا العالم بثورتنا البيضاء غير الدموية التي بدأت برفض الاستبداد والفساد وتمسكت بأهدافها: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية, ومع الغطرسة في التعامل تغيرت الصيغة الثورية إلي: الشعب يريد إسقاط النظام وفور سقوطه انتهت الهتافات وبدأ الشعب الثائر ينظف شوارعه مثلما أزاح حكامه حتي تصادمت المصالح وتعثرت الثورة بين أيدي سارقي الفرح وأحضان الطامحين في السلطة ومكر الثورة المضادة وأوهام الطرف الثالث. واليوم تتجدد دعوات الحوار الوطني للخروج من المأزق ما بين محاولات إخوانية لتوجيه دفته ورفض المعارضة الانسياق وراء شهوة المغالبة والبحث عن المشاركة لإنقاذ مصر من الخطر وسط ظواهر تعود بنا للخلف في مقدمتها تمسك الأطراف المتصارعة علي السلطة بعدم تقديم تنازلات ورفض القوي الحاكمة إعلاء مستقبل الوطن فوق المكاسب السياسية في ظل شعور عام بأن البلاد يديرها المرشد والإخوان وليس الرئيس المنتخب وأن تلك الإدارة تصب في صالح الجماعة وأخونة الدولة وليس في صالح بناء مجتمع أو نهضة شعب. وبالمقارنة بين ما تقوم به مصر وما أحرزته جنوب إفريقيا نجد النموذج المصري دون رغبة حقيقية في إعادة بناء الوطن وتمهيد طريقه للانطلاق, فالحوار غير جاد ودون صلاحيات ويشبه المنظمة السرية التي لا يعرف أحد عنها شيئا باستثناء المشاركين فيه وغالبيتهم أحزاب تعلي المشروع الإسلامي أو تتمسح ببركاته, كما أن الجلسات السابقة خرجت بتوصيات لم تجد لها طريقا فيما يتعلق بالدستور وقانون الانتخابات وغيرها من القضايا بعكس النموذج الجنوب إفريقي الذي أعطي لجنة الحقيقة والمصالحة صلاحيات التحقيق والاستدعاء وإصدار التوصيات وتنفيذها, إضافة إلي الصلاحية شبه القضائية في تنفيذ ما تراه في صالح الوطن ومنح العفو, وما بين النموذجين تكشفت حقيقة واحدة أننا نتسلي بمصير مصر حكاما ومعارضة وأن الشعب لن يصمت طويلا علي هذا العبث السياسي الذي لا يلتفت بأي اهتمام للحقيقة والتسامح والمصالحة. ومن يراهن علي وصف المسعودي لمصر في كتابه مروج الذهب بأن نيلها عجب, وأرضها ذهب, وهي لمن غلب سيخسر الرهان علي الإخوان بشكلهم الحالي_ حتما_ لأن مصر الثورة لن تكون بالمغالبة ولكنها ستنهض وتحلق في عنان الحرية والديمقراطية والعدالة بالمصالحة وليس بالثأر السياسي. رابط دائم :