قمحية في عينيها حزن غير معلن.. هادئة.. فواحة الحضور.. تستدعي إلي وعي من يراها.. لوحة قديمة من الزمن الجميل.. شاركت في ثورة الخامس والعشرين من يناير.. ومنذ ذلك الحين والسياسة طبقها المفضل مع كل طعام.. أصيبت بجرح قطعي في الساق اليسري أثناء موقعة الجمل.. عندما أفاقت وجدت نفسها في مستشفي ميداني بسيط.. لم تنس أبدا ابتسامة الطبيب المسعف والتي عرفت أنه مسيحي من الصليب المتدلي في عنقه وهو يهنئها بسلامة الشفاء.. هذه المشاعر الطيبة التي توحدت وتضافرت في ثورة شارك فيها كل أطياف الشعب المصري ونسيج الوطن الواحد.. ماذا بعد نتيجة الاستفتاء علي الدستور بنعم.. هل ستدور عجلة الانتاج والمؤسسات وتستقيم الاحوال ويتعافي الجنيه المصري وتطول قامته.. بعد انتكاسة غير مسبوقة في أيام قليلة..؟ إنها في حيرة أمام المشهد المرتبك في حصار الدستورية العليا ومدينة الانتاج الاعلامي.. والفتاوي الظالمة المجحفة لأصحاب اللحي والجلباب الابيض الذين ينتقلون بين سبوبة الفضائيات في يسر وسهولة.. فقط يغضبون إذا جادت لغيرهم.. حملت هذه الاسئلة ودارت بها بين الاصدقاء وفي المنتديات والمقاهي والشبكة العنكبوتية.. مهمومة بالوطن مثل غيرها.. تخاف أن تطول الضريبة المؤجلة حتي العام الجديد.. احتياجات المواطن البسيط.. تسبح بقوة في اتجاه السفينة.. لا تضيع الوقت في انتظارها.. تتحاشي الانزلاق في الحب.. حتي لا ينكسر القلب.. وتتهشم الروح.. يكفيها تجارب من سبقوها.. تري الحب الحقيقي في عيون من ترعاهم في المستشفيات فهي طبيبة في سنوات الامتياز. لاتتواني عن تقديم العون لكل محتاج.. تعيش العصافير علي مطر ابتسامتها... انتابتها غصة موجعة.. وهي تتأمل صورة الصحفي الذي سقط شهيدا أمام الاتحادية.. لم تفلح في أخفاء الدموع التي ظللت عينيها السوداوين علي حين غرة.. أحزانها تأتي دائما علي مهل.. ترتشفها قطرة قطرة.. تحايل حزنها دون جدوي.. ضاعت من بدنها القوة اللازمة لبدء حوار من أي نوع.. كانت لديها طاقة من البوح.. بحجم الكلمات المختزنة في داخلها.. جميعها تبددت.. بعد أن تمدد الوجع.. تدثرت السماء بسحب داكنة خفيفة... وأرسلت الشمس المختبئة خلف الأفق.. شعاعا باهتا.. ألقي بظله فوق بنايات المدينة وشوارعها.. حتي الفاترينات التي تزينت لاستقبال العام الجديد.. بدت مغبشة وباهتة.. تدور في عتمات متحركة لاتدري أين تذهب.. عيونها تمسح اللا شيء.. وأقدامها تسير في اللا مكان.. اختارتها طاولة في مقهي.. لم تنظف بعد من رماد السجائر.. وبقايا طعام.. صدرها مضطرم بالصراخ والعويل.. تنتحب في صمت.. تجهش في البكاء دون دمع.. تتأمل من زجاج نافذة المقهي.. السحب التي تشبه صفاء البحر وهي تنثر المطر المخصب فوق الحقول.. وفوق البيوت لتغسلها من الرماد العالق بها.. لابد من الأمل.. فالإنسان دون أمل كنبات دون ماء.. أفاقت من شرودها علي صوت النادل وهو يسألها: ماذا تشرب..؟ تجيبه ضاحكة: واحد شاي.. وواحد يفهمني اللي بيجري في مصر. محمد محمود غدية/ المحلة الكبري [email protected]