كلمات متسكعة علي سطور غير مستقيمة الخطوط.. هي بضع هالات من أرق تشبه سواد الكحل في العيون.. سنوات العمر تساقطت سنة تلو أخري كأوراق خريف ذابل.. بها نكهة الشوق المجروح وخطا الحنين المرتعشة.. وذاكرة هرمة موبوءة بالصدأ تارة.. ومثقوبة بأضغاث أحلام تارة أخري.. الحزن ينمو ويكبر ويتمدد كشجر اللبلاب. الذاكرة متعبة شاحبة.. لكنها غير شحيحة.. قد نري بأعيننا الجزء الأصغر من الحقيقة والأشياء الأقل شأنا.. بينما الحقيقة أعلي من أن تمنحنا أسرارها بالبساطة التي نتخيلها..وقد نبحث عنها كبحثنا عن النظارة وهي فوق أعيننا.. تنتحب في صمت.. دموعها تستعصي علي النزول.. كأنها في حرقة انتظار غائب لايعود.. صرير الأبواب الموصدة وزخات المطر المؤلمة يؤلفان سيمفونية موجعة تنذر بالنهاية.. تحاول جاهدة الامساك بالحكايات التي تعشقها والتي خبأتها خلف أسراب الحلم البعيد.. والتي فرت من بين أصابعها بعد أن أصبحت بلا ملامح.. هل يمكن للحكايات أن تقل وتقصر مع مرور الأيام وتتحول إلي أطياف وخيالات في ذلك الزمن البعيد.. بردت أطرافها وارتعشت حين هاجمتها عتمة الفراغ الموحش والسكون المطبق ورطوبة الجدران.. تلوذ بالكتابة ودفء المشاعر.. وقلبها الصغير الذي أصابه العطب مبكرا.. ترتحل بعيدا عن شتاءات لاتنتهي.. لم تفلح في نهش روحها الرقراقة الطيبة.. تضمد جراحات الأيام.. اشتياقها الساكن يتأجج.. يمنحها بعض الأجنحة القوية المعينة علي التحليق.. وجهها أبيض رهيف الملامح كالصبح.. دون أصباغ.. كأنها قادمة من أفلام الزمن الجميل غير الملونة.. لها عينان واسعتان متأملتان.. وشعر ناعم منسدل ينعس فيه خد الليل الجميل.. تنحني الأشجار والأزهار أمام خضرة روحها وطراوتها.. هل يمكن للعصافير أن تتقافز فرحة من جديد فوق لبلابتها فتعيد ترتيب الفصول..؟ وهل يمكن لآلاف النجمات التي تساقطت من قبة سمائها جثثا آفلة.. أن تعود لسيرتها الأولي في نشر الألفة والضياء..؟ طوحت بالقلم بعيدا.. وحزمت أوراق الوجع.. وأغلقت حقائب الشجن.. حين دخل الصبح من شيش شباكها وحين نقر العصفور فوق زجاج النافذة.. علي الانسان أن يكون رحيما مع نفسه وألا يستسلم لليأس.. وأن ينفض الألم.. ليست الوحيدة في هذا الكون التي فشلت في الحب ولن تكون الأخيرة.. غيرها الكثير أوقعهم الحب في شراكه النوراني الخادع.. فارتفعت أشجار روحهم إلي آفاق فردوسية.. ثم هوت بهم في ليل الرماد الطويل.. علي أطلال الحب تنتعش قصص الهجر ولوعة الأغاني.. والأفلام والمسلسلات التركية التي تقاس بالمتر وتباع بالكيلو.. قوامها دغدغة المشاعر وزرف الدموع..ولأن روحها لاتعرف الذبول.. بدأ جسدها يتعافي ويلتئم علي ستار شفيف من الوجد.. ويقوي ليحميها من الصدمات المفاجئة.. أخذت تقرأ ماكتبته وهي تضحك.. فهي أمام سطور أصابتها الأفكار الممزقة والمشتتة واللوعة والكآبة.. كل الهموم تتصاغر وتتصاءل أمام ثورة يناير التي أسقطت النظام بعد ثلاثة عقود من الفساد.. لتعود للانسان المصري كرامته وحريته الحقيقية وتتبدد الظلمة.. وتنقشع الغمة.. ولأول مرة يختار الانسان المصري في صنع مصيره ولبرلمان حقيقي.. عقد عليه الآمال.. بينما اختزل دوره في التراشق والتدافع والتشكيك بين الأعضاء.. والأذان تحت قبة البرلمان.. وإطلاق اللحي لظباط الشرطة.. والانشغال بتجميل أنف الأعضاء.. والمغالبة لا المشاركة في تأسيسية الدستور.. ورفض بيان الحكومة لإسقاطها.. وتشكيل حكومة جديدة من الأغلبية.. والدفع برئيس للجمهورية بعد الاعلان عن عدم الترشح للرئاسة.. لقد نفد رصيدهم في الشارع لاختلاف الأقوال عن الأفعال.. بعد الكشف عن وجههم الحقيقي في الاستقواء والاستحواذ علي مصر كاملة.. وهذا لن يحدث فكل ليل الي رحيل.. يدخل الصباح من الأبواب والنوافذ حاملا أنفاسه الجديدة.. نفحة من ياسمين تنتشر في الأرجاء.. وتبدأ دورة الحياة والوجود من جديد.. كلما ازداد المرء نقاء.. ازداد تعاسة.. الظلمة تبقي بعض الوقت وتغادر.. وتبقي الجميلة.. رهيفة الملامح وروحها التي استفاقت من غشاوة الرؤي. محمد محمود غدية المحلة الكبري ghodaya1@yaho