في سيناريو مشابه للغزو السوفيتي لأفغانستان في أواخر سبعينيات القرن الماضي قبل تفكيك الاتحاد السوفييتي وانفصال عدد من جمهورياته والذي بدأ بحجة دعم الحكومة الأفغانية الحليفة لموسكو وقتها في صد هجمات الثوار المعارضين للسوفييت في حرب دامت عشر سنوات, وكانت أحد أهم أسباب انهيار القوة العظمي الثانية في العالم, بدأت فرنسا في تقديم مساندة عسكرية للحكومة المالية لمواجهة من تصفهم بالجماعات الإرهابية التي تسيطر علي شمال مالي وتكبدت أولي خسائرها البشرية في الغارة الجوية التي شنتها علي المتمردين الإسلاميين عندما تمكن الإسلاميون من إسقاط مروحية فرنسية وقتل قائدها بالقرب من بلدة موبتي خلال هجومه علي طابور كان متوجها صوب المدينة. ورغم أن حكومة باماكو طلبت بالفعل دعما من حلفائها الإقليميين ومن بينهم الجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا إيكواس ومن فرنسا لمساعدتها في التصدي للمتمردين الإسلاميين الإرهابيين بعد سيطرتهم علي مساحات واسعة شمالي مالي, والذي يؤكده التنسيق بين الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند ونظيره المالي ديونكندا تراوري وشكر الأخير لأولوند علي مسارعته بإرسال قوات فرنسية لهذا الغرض, إلا أن الأمر بالنسبة لفرنسا قد يحمل أبعادا أخري غير مجرد مساندة دولة إفريقية علي مواجهة تمرد عسكري. الدعوة المالية لفرنسا بالمساعدة تلقفتها باريس وكأنها كانت تنتظر مجرد الإشارة, حيث بادرت بتلبية الدعوة بسرعة لافتة للنظر, فيما عقد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند اجتماع دفاع مصغرا أمس لبحث تطورات العملية العسكرية الجارية في مالي مع وزير دفاعه جون إيف لودوريان ووزير خارجيته لوران فابيوس ووزير الداخلية مانويل فالس ورئيس أركان الجيش الفرنسي إدوار جيووأمين عام الدفاع والأمن الوطني فرنسيس ديلون والمدير العام للأمن الخارجي إيرار كوربان دو مونجو. لودريان أعلن في مؤتمر صحفي في باريس أمس عن دور القوات الفرنسية في مالي, مؤكدا صدور أوامرأولوند للقوات الجوية الفرنسية الموجودة في تشاد بشن غارات علي حركة أنصار الدين وما وصفها بالجماعات الإرهابية الأخري لوقف زحفها نحو الجنوب, مؤكدا أن التدخل الجوي للقوات الفرنسية يرمي إلي تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: وقف زحف الجماعات التي يعتبرها إرهابية نحو العاصمة باماكو في الجنوب والمدن التي تفصل بين الشمال والجنوب مثل موبتي وسيفاري وكونان,وتقديم المساعدة للقوات المالية لفرض سيادتها الكاملة علي البلاد ووقف تجزئة ترابها, وحماية الجالية الفرنسية الموجودة في مالي والتي يبلغ عددها حوالي6000 شخص. هذا ما أعلنه وزير الدفاع الفرنسي أمس, والذي يوضح أن التدخل العسكري الفرنسي ليس لمجرد إغاثة نظام باماكو من هجمات المتمردين, بل يحمل في طياته رائحة التدخل العسكري لحماية مواطنيه وهي نغمة تعيد للأذهان ما كان يجري إبان الفترة الاستعمارية في القرن الماضي. لودريان اعترف بمقتل ضابط فرنسي بعدما تمكن بدعم الجيش المالي من تدمير العديد من الوحدات الإرهابية وأوقف تقدمهم وهي المعركة التي أصيب فيها أحد الطيارين الفرنسيين بجروح توفي علي إثرها ونقل إلي مستشفي في موبتي. وكشف عن أن مئات من الجنود الفرنسيين انتشروا في العاصمة باماكو وضواحيها من أجل الحفاظ علي الأمن وحماية الفرنسيين الذين يعيشون فيها. و أن الدعم العسكري الفرنسي سيستمر طالما مالي بحاجة إليه, منوها بأن هذا الدعم جاء بعد طلب رسمي من تراوري ديانكوندا رئيس البلاد. أولوند أعلن في وقت لاحق في بيان أمس عن حزنه العميق لمقتل الضابط, مقدما تعازيه الحارة الي أسرته وأقاربه. من جهته اعلن الأميرال ادوار غيار رئيس اركان الجيوش الفرنسية ان العملية التي تشنها قواته في مالي اطلق عليها اسم سيرفال او القط النمر يعرف ايضا باسم البج وهو قط متوحش موطنه الصحراء الافريقية. واوضح الاميرال ان العملية الجارية في مالي تديرها علي المستوي التكتيكي قيادة عمليات مقرها مالي, وعلي المستوي الاستراتيجي قيادة عمليات مقرها باريس الي جانب وزير الدفاع ورئيس الجمهورية واضاف انها عملية فرنسية, وذلك ردا علي سؤال عما اذا كانت المانيا تشارك في هذه العملية. لم تقف العمليات الفرنسية في القارة الإفريقية عند حدود مالي وفقا لما أعلنه وزير الدفاع الفرنسي ولكنها تجاوزتها إلي عملية أخري في الصومال فشلت فيها وحدة كوماندوز فرنسية من تحرير الرهينة الفرنسي المحتجز في الصومال منذ2009 دوني أليكس من جانب حركة الشباب الإسلامية, قتل خلالها جندي فرنسي آخرشارك في عملية المداهمة, وتوفي متأثرا بجروحه, فيما لا يزال جندي ثان في عداد المفقودين رغم تحديد مكان احتجازه بدقة, موضحا أن هذه القوات واجهت مقاومة شرسة من طرف من وصفهم بالإرهابيين. مما يفيد وفقا لخبراء ومراقبين دوليين محاولات باريس البحث عن ذرائع للتدخل في القارة السمراء المجال الحيوي السابق للقوات الفرنسية أو البحث عن أعداء لمحاربتهم بحجة مكافحة الإرهاب, أو وفقا لوصف تنظيم القاعدة مواجهة المد الإسلامي في إفريقيا.