وإذا كان الجماد له خلق وتكوين يتميز به عن غيره من سائر المخلوقات ويمضي في الحياة بعمره الطويل عن باقي المخلوقات, ويعيش مثلهم, وله نهاية ينتهي بها بعد عمر طويل ومديد بقدر وأجل معلوم ومعه تنتهي أوجه حياة كل الكائنات مما يعني أن وجوده في الحياة يعني استقرار واستمرار هذه الحياة بأمن وآمان وسلام. ومن هنا لم يكن عجيبا أو غريبا أن يتحدث الله في القرآن الكريم عن أن ولادة الكون الذي نعيش فيه كانت بدايتها ولادة السموات والارض كوحدة واحدة ملتصقة ومتماسكة مع بعضها البعض لا وجود لمساحات تفصل بينهم, وهذا معناه لا وجود لحياة في غياب الهواء والماء وفي وجود التصاق والتحام السموات والأرض, وهذا دليل قطعي علي وحدة الكون بعد الانفجار العظيم والذي يعد وجهها من وجوه الاعجاز العلمي في القرآن الكريم عند حديثه عن ميلاد السموات والأرض والذي لم يتوصل اليه العلم الحديث بمعناه العلمي إلا في نهاية القرن العشرين. فالسموات والأرض كالجنين الذي يبدأ في التشكل والتطور والتكوين بشكل مبرمج ودقيق في بطن أمه من خلايا وأنسجة وأعضاء وأجهزة ملتصقة مع بعضها البعض ومع تطور الجنين ونموه تنفصل خلاياه وأنسجته وأعضاؤه وأجهزته الملتحمة عن بعضها البعض بشكل مقدر ومقنن في الوظيفة والتركيب وآلية العمل, فيصبح كل جهاز قائما بذاته بعد الاكتمال والنضوج وله وظيفة تخصصية من خلال خلاياه وأنسجته وأعضائه بالرغم من البداية الواحدة والاجزاء الملتصقة والملتحمة مع بعضها البعض لا يمكن تحديد هويتها ولا أي منها علي حدة وإلي أي جهاز عضوي تنتسب. ومن هنا يتبين لنا أن الدقة والتكوين في الحديث عن ولادة الكون ومدي ارتباط اجزائه ببعضها البعض مع وحدة السموات والأرض والتصاقهما ببعضهما البعض بقوة ثم انفصالهما بشكل يسمح لكل منهما بالقيام بوظيفته علي الوجه الاكمل فبلصقهما كالرتق الذي يلحم كل جزء مع الآخر فلا هواء ولا ماء وبانفصالهما كالفتق والشرخ وعليه يصبح الحيز واسعا يتسع كلا من الهواء والماء واللذين بهما وعليهما تقوم الحياة قال تعالي:' أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون الأنبياء30 وكأن الاشارة في هذه الآية القرآنية تجعل من أهمية الماء في الحياة لها كأهمية خلق السموات والأرض والربط بينهما مما يؤكد مدي الارتباط بين خلق السموات والارض وإيجاد وجعل الماء فكلاهما يثري الحياة, ويحافظ علي توازنها, فالماء يتجمع في السحاب ويسقط من السماء علي الأرض وبه وعليه يعتمد النبات والحيوان والانسان. فهذا البيان القرآني العظيم يصف لنا بدقة متناهية أهمية خلق السموات والأرض ومدي ارتباطهما بحياة خلق الانسان في وجود الماء الذي به وعليه تعتمد كل أسباب الحياة بشكلها الواسع اللامحدود, فهل أدرك أحدنا قيمة الهواء وأهمية الماء في حياته ونظر الي مصدره ومنبعه في السماء ووجد أن الارض منتهاه فينبت به الزرع وعليه يعتمد الحيوان والانسان في حفظ الحياة. ان ذلك كله يدل دلالة قطعية علي قدرة الله سبحانه وتعالي في الخلق والابداع وقيوميته علي كل المخلوقات فبالأمر كن فيكون, كان خلق وإنتاج الجنس البشري من بويضة أنثوية وحيوان منوي ذكري بشكل معجز ومعتبر فكان بشرا سويا, وعلي هذا الأمر سبق الأمر في خلق السموات والارض فقال للسموات والارض كوني كذلك فكانت ثم خلق منهما وبهما الحياة. ان الربط بين خلق الكون الشاسع والهائل بكل تعقيداته والتي لا نعلم عنها الا قليل القليل وبين خلق الانسان المكرم بكل مراحله بشكل متقن ومعجز في كل خلاياه وأنسجته وأجهزته وأعضائه دليل قاطع علي وحدة خلق الكون والانسان ووحدانية الخالق سبحانه وتعالي. ومن هنا نجد أن هناك ارتباطا وثيقا بين خلق الكون وخلق الانسان في كل مراحله المختلفة حتي نري ونعقل وندرك مدي هذا التوافق وذلك التلاقي بين الخلقين, في خيوط وروابط وروافد معقدة تربط بينهما برباط وثيق لا غني لأحدهما عن الآخر فكأن كلاهما قد وجد من أجل وجود الآخر وعاش من أجل الآخر وسوف تنتهي حياة الانسان في الكون بنهاية السموات والأرض والجماد بكل أنواعه.