صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار كتاب فلسطين في الكتب المدرسية في إسرائيل- الأيديولوجيا والدعاية في التربية والتعليم للباحثة الإسرائيلية د. نوريت بيلد- إلحنان. أكدت مؤلفة الكتاب أن الكتب المدرسية المتداولة في إسرائيل يجري تأليفها علي نحو خاص للشباب اليافعين, الذين سيجري تجنيدهم في الخدمة العسكرية الإلزامية بعدما يتمون18 عاما من أعمارهم, بغية تنفيذ السياسة التي تنتهجها إسرائيل في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة, وبالتالي فإن الدراسة التي يضمها الكتاب لا تسعي إلي وصف نظام التربية والتعليم الذي تطبقه إسرائيل, وإنما تستهدف التركيز علي سؤال محدد واحد, هو: كيف يجري تصوير فلسطين والفلسطينيين, الذين قد يطلب إلي هؤلاء الشباب الإسرائيليين استخدام القوة ضدهم, في الكتب المدرسية؟. وأشارت إلي أن اهتمامها الخاص بالكتب المدرسية نابع من قناعة تشترك فيها مع باحثين آخرين في إسرائيل وفي غيرها من الدول, فحواها أن الكتب المدرسية لا تزال تشكل, دون غيرها من جميع مصادر المعلومات الأخري, وسيلة قوية توظفها الدولة في تشكيل أنماط الإدراك الحسي والتصنيف والتفسير والذاكرة, وهي عوامل تساهم في تحديد الهويات الشخصية والقومية. وينسحب هذا الأمر علي نحو خاص علي دول كإسرائيل يحظي فيها التاريخ والذاكرة, والهوية الشخصية] والشعب بتواصل حميم لا تنفصم عراه. وأضافت أن الكتاب يقدم دراسة نقدية لجانب واحد من جوانب الرواية الصهيونية الكبري التي تمثل, علي نحو صريح وضمني في الوقت ذاته, الضمير الجمعي الذي يوجه المجتمع الإسرائيلي بكافة فئاته وأطيافه, بالشكل الذي يعاد فيه إنتاجها في الكتب المدرسية المقررة في ثلاثة حقول معرفية, وهي التاريخ والجغرافيا والدراسات المدنية( المدنيات). وتشتمل الدراسة علي تحليل للنصوص البصرية واللفظية التي تمثل الآخرين الذي يغايرون اليهود الصهيونيين, وهم الفلسطينيون, بمن فيهم المواطنون الذي يقيمون في إسرائيل, وغير المواطنين الذين ما زالوا يعيشون تحت نير النظام العسكري في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ العام.1967 ومن الاستنتاجات المثيرة التي تتوصل إليها المؤلفة, وهي كثيرة, أن الكتب المدرسية في إسرائيل تغرس في عقول الشباب الإسرائيليين الرغبة في عدم المعرفة عن الآخر, في الوقت الذي لا تشجع فيه إسرائيل مطلقا تعليم السلام أو الاختلاط بين الطلبة اليهود والفلسطينيين, بل علي النقيض من ذلك, فعلي الرغم من وفرة الفرص, لم يحصل أن تحول موضوع السلام والتعايش إلي جزء من المنهاج الأكاديمي الرسمي, ولم يحمل أي مصداقية أكاديمية في نفسه مطلقا. كما أن تمثيل الفلسطينيين في الكتب المدرسية المتداولة في إسرائيل يرسخ الجهل بالأوضاع الاجتماعية والجيو- سياسية الحقيقية وبالخطاب الجغرافي والتاريخي, وذلك بالإضافة إلي كونه أداة تغرس الأفكار التمييزية والمواقف العنصرية. وعلي افتراض أن طلبة المدارس لا يرتادون المكتبات من أجل التحقق من الوقائع وسد الفجوات التي تعتري الكتب المقررة عليهم في مدارسهم, وأن غالبية المعلمين نشأت علي مثل هذه الكتب, فعلي المرء أن يخلص إلي نتيجة مفادها أن أبناء الأجيال الثلاثة السابقة من الإسرائيليين ليسوا في معظمهم علي وعي بالوقائع الجيو- سياسية أو الاجتماعية التي تحيط ببلدهم. ويتم تجنيد الطلبة اليهود, مع هذه الصور المشوهة والخرائط المحرفة التي تزرع في عقولهم وتثبت فيها, من أجل تنفيذ السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين, الذين لا يعلم هؤلاء الطلبة شيئا عن حياتهم وعالمهم, والذين تعلموا الامتعاض من وجودهم والخوف منه. ويتجسد هذا التلقين, أو بالأحري إفساد العقول, من خلال سلطة الخطاب العلمي, بشقيه اللفظي والبصري, الذي ينظر إليه علي أنه محايد وموضوعي ويخلو من التحيز, وبالتالي يمثل الحقيقة المطلقة. وتؤكد المؤلفة أن التمثيل السلبي للآخرين يدرب الطلبة علي العداوة, وعلي احتقار جيرانهم والبيئة التي يعيشون فيها, ناهيك عن احتقار المعاهدات والقوانين الدولية المرعية. وهذا يتناقض في جوهره مع الادعاء الذي لا تنفك إسرائيل تسوقه, والذي يردده الساسة الأميركيون والأوروبيون الذين يقرون بالدعاية الإسرائيلية, بشأن الفلسطينيين الذي يعلمون أطفالهم أن يكرهونا, ونحن نعلم أحبب جارك. وقدم للكتاب من مركز مدار الكاتب أنطوان شلحت فأشار إلي أن هذه الدراسة تعتبر رائدة من حيث تركيزها علي الخطاب البصري, وعلي أدوات البيان كذلك. ونوه بأن التحليل, الذي تطبقه الدراسة علي النصوص ذات الصلة, تستند إلي الأساليب المتعددة الوسائط, كما أنه يعتمد في أساسه علي نظرية السيمياء الاجتماعية, التي تذهب إلي أن التمثيل ليس محايدا علي الإطلاق, وإنما هو متحيز في جميع أحواله, فضلا عن كونه أيديولوجيا علي وجه التحديد. وأضاف شلحت: تستخلص هذه الدراسة, من ضمن أشياء أخري, أن الكتب المدرسية الإسرائيلية المتداولة ما زالت تدور في فلك التثبت علي ما وصفته الباحثة الماضي الذي يمكن استخدامه, حتي من غير أدني تغيير يتلاءم علي الأقل مع انطلاق عملية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين تهدف إلي إحراز اتفاق سلام. وقد سبق لباحث إسرائيلي آخر أن قال في معرض حوصلة هذا الأمر ما يلي: يبدو أن السلام بقي خارج حدود المدرسة, ذلك بأن من ينظر إليه يفعل ذلك بوصفه شيئا ما منتميا إلي السياسة وتختلف الآراء في شأنه, أو بوصفه انحرافا طفيفا عن مسار التاريخ( الإسرائيلي) الحافل بالحروب. وعلي ما يظهر فإن لسان حال الجميع هنا يقول: ما جدوي تغيير الكتب إذا كان السلام, وفق المنظور السالف, فصلا قصيرا لن يصمد طويلا؟. أما بيلد- إلحنان فتضيف أن الكتب, التي تتناولها في هذه الدراسة, تسخر هذا الماضي لمنفعة السياسة التوسعية التي تطبقها إسرائيل في حاضرها, وربما تشكل أيضا مؤشرا علي السياسة التي تنوي أن تطبقها في المستقبل.